رعى رئيـس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري في باحة " مجمع نبيه بري الثقافي " في تلة الرادار (الزهراني) قبل ظهر الاحد 8/8/1999، وامام حشد كبير قدّر بعشرين الف مواطن " مهرجان تكريم مزارع التبغ النموذجي " الذي تنظمه نقابات مزارعي التبغ والتنباك في الجنوب والشمال والبقاع سنوياً بحضور الرئيس سليم الحص ممثلاً بالوزير ميشال موسى ووزير الدفاع غازي زعيتر والنواب : عبد اللطيف الزين، علي الخليل، ياسين جابر، علي حسن خليل، ايوب حميد، علي خريس وحسن علوية، محافظ النبطية القاضي محمود المولى، رئيس الاتحاد العمالي العام الياس ابو رزق، مدير عام ادارة حصر التبغ والتنباك ناصيف سقلاوي، رئيس غرفة التجارة والصناعة عدنان القصار ممثلاً بمدير فرنسبنك ـ النبطية مصطفى جابر وشخصيات سياسية وصحية وعسكرية الى فاعليات اجتماعية وثقافية وتربوية ونقابية وجمهور غفير من مزارعي التبغ في الجنوب والشمال.
استهل المهرجان بتقديم عروض فنية لفرق فولكلورية من البقاع والشمال والجنوب، بعد ذلك قدم احد المزارعين للرئيس بري شتلة ت
بغ عملاقة.
ثم توالى تقديم الخطباء، فكانت كلمة عبد الحميد صقر باسم نقابات مزارعي التبغ والتنباك في لبنان، تلاه رئيس نقابة موظفي وعمال الريجي فضل الله شريف، وكلمة لرئيس ادارة حصر التبغ والتنباك وليد سلام.
وفي الختام، ارتجل الرئيس بري الكلام بالقول:
للأمهات اللواتي يحفظن عن ظهر قلب طريق التبغ الى حقول الليل الخضراء.
للأمهات اللواتي يجمعن موج البر في خيط الغّلة واللواتي يكتبن صحو الصيف وطفولة الدواري.
لأيديهن مرايا أحلامنا، ولنعس عيونهن الذي لا ينام ولعيونهن حدائق حياتنا.
لحقول التبغ التي تقع على مسافة وردتين من ساحة لقائنا السنوي.
لتلك الحقول التـي تكتب وعدها بالمواسم فتبرق فيها الحكايات وترعد، ويمطر فيها القلق والشك كرات من نار فلا تزيح عن الوعد.
لرجال التبغ، لكم، لأياديكم الخضراء التي تعدو فيها افراس الأنهر، وينابيع العيون بالحقيقة الخالصة للفرح الذي يخذلنا كلما اقتربنا اليه.
لأبناء رجالكم، ونسائكم، الذين يمحون الوقت ليصبحون كباراً ويزاحمون الحياة.
لهذا اليوم، الذي اقرأ فيه اعترافي السنوي، في حضرة المقاومين مزارعي التبغ، واشهد على نفسي امامكم اني سأكون وفياً لتعبكم، ومسؤولاً امامكم، لا عنكم.
لهذا اليوم الذي يكتبني اليكم، شوقاً لمحبتكم الغامرة التي تحمل نفسها من عكار، الى رميش، ومن البقاع، الى عيتا الشعب.
لكـم أيها الأحباء المطهرون بضؤ الماء، المعطرون بأنفاس زهر الليمون، أيها الساكنون في التعب والوجع والأمل لكم جميعاً الف تحية وبعد،
مرة كل عام نلتقي لنقول كلاماً من القلب الى القلب.
وبين كل مرة ومرة حبل لقاء لا ينقطع حيث اتابع همسكم، وأحمل همكم، فلا يغيب عن ذاكرتي حضوركم الدائم على رأس جدول اهتماماتي.
وهذا العام، سأقرأ فصلاً قليلاً من سيرة التبغ على مسمع الدولة للتأكيد على القناعة بأن هذه الزراعة هي أحد تعبيرات الصمود الوطني، وهي أيضاً احدى مقومات الاقتصاد الوطني.
فهذه الزراعة عّبرت عن أول تشكيل اجتماعي عكس نفسه نقابياً منذ منتصف العشرينات، وقاد في تشرين الثاني 1930 سلسلة اضرابات متلاحقة ضد شركة الريجي الانتدابية رداً على قرار المندوب السامي "بونسو" اعادة العمل بنظام الاحتكار، والغاء نظام " البندرول" الذي يقضي بحرية زراعة التبغ، وتصنيفه، والاتجار به، لقاء ضريبة التمغة. وقد شكل المجلس النيابي اللبناني آنذاك لجنة قابلت المفوض السامي وقدمت له عريضة تتضمن:
الدفاع عن اليد العاملة، حماية الزراعة، الدفاع عن حقوق أصحاب المعامل، الدفاع عن حقوق الرأسمال اللبناني في استثمار التبغ أياً كان شكله، وأخيراً المحافظة على حقوق الدولة في التصرف بالأموال التي تنتج عن هذا الاستثمار تصرفاً حراً ويبدو ان على المجلس النيابي حمل لواء اغلب هذه المطالب مجدداً.
وتسجل الذاكرة اللبنانية، تاريخ انتفاضة مزارعي التبغ ضد الانتداب وقراراته الاحتكارية التعسفية، تلك الانتفاضة التي ابتدأت من بنت جبيل والتي سقط منها ثلاثة شهداء هم :
مصطفى العشّي ومحمد الجمّال وعقيل دعبول . قبل ذلك كانت للمرحوم غبطة البطريرك عريضة مواقف مشهودة في الدفاع عن المزارعين عبرت عنها رسائله ، وحركة الموفدين من اساقفة وكهنة وصولاً الى برقيته الى وزارة الخارجيـة الفرنسية في 19 كانون الأول 1934، التي عّبر فيها عن حالة الاستياء المقرونة باليأس لدى المزارعين من سياسات الاحتكار، للمطالبة بترك الحرية في مجال زراعة وتجارة التبغ قائلاً : " وقد رأينا من واجبنا القيام بهذه المهمة ظناً منا بمستقبل شعبنا الذي تمثل زراعة التبغ والاتجار به آخر موارد عيشه".
وبعد، الاستقلال لم يْسلَمْ المزارعون، ولا زراعة التبغ من ظلم الاقطاع وأزلامه ، وكانت المطالب تواجه بالقمع، وكانت المأساة كما صورة المشهد الذي عّبر عنه الامام الصدر بقوله: مزارع التبغ هو بائع المحاصيل الوحيد في العالم الذي لا يحق له ان يتكلم . تفرض عليه الكمية، والنوعية، والسعر، وتتحكم فيه الريجي، وتحتقره، وتصنفه بدل أن تصنف التبغ لكي يلجأ الى الوسيط والمقصود "البيك".
اما اذا طالب بحقه دون وساطة، فجزاؤه الطرد والحرمان، وفي بعض الحالات الرصاص..."
هكذا كان الأمر عندما انتفضت بلدة حانين، ثم في انتفاضة عام 1973 حيث سقط حسن حايك ونعيم درويش شهيدين برصاص السلطة...
بعد ذلك وعندما انطلقت مرحلة الوفاق الوطني تغير النهج وتغيرت الادارة من ادارة احتكارية، الى ادارة ذات منفعة عامة مشتركة لحصر التبغ والتنباك.
وشهدت زراعة التبغ نهضة كبيرة، وأصبحت توفر آلاف فرص العمل، والأهم انها استجابت لضرورات الصمود الوطني، استعادت زراعة التبغ الأيادي العاملة اللبنانية التي حاولت سلطات الاحتلال الاسرائيلية استغلالها عبر الحدود.
ورويداً رويداً أخذت فرص العمل بالازدياد مع اطلاق الوعود الرسمية بمواكبة التصنيع للنمو الحاصل في الانتاج وتوسيع رقعة المناطق المصنفة لزراعة التبغ.
وتجرأت الادارة على تقديم مشاريع لتطوير صناعة التبغ، واستغلال الطاقة الممكنة لمعملي بكفيا والغازية، وتطوير صناعة التنباك اللبنانية، وتصنيع ماركات عالمية في مصانع الادارة بموجب اجازة.
وكانت شكوانا طيلة السنوات السابقة من التباطوء في الاستجابة لمطالب الادارة وكذلك من رفض الاستثمار على البذار الطيب في الارض الطيبة.
ومن تحقيق ذلك لعائد وطني وانساني.
قرأت هذا الفصل من سيرة التبغ لنصل الى ما نحن فيه اليوم:
فقد اطلقت الحكومة الحالية خطابها حول تعزيز آليات الاقتصاد الوطني.
سمعنا كلامها ففرحنا.. رأينا أفعالها فتعجبنا.
وكان من جملة قراراتها، رفع الرسوم الجمركية على التبغ ومنتجاته اربعاً وثمانين بالمئة دفعة واحدة. وبررت الحكومة قراراها بأن الغاية هي زيادة عائدات الدولة 300 مليار ليرة لبنانية سنوياً وخفض عدد المدخنين حفاظاً علىالصحة العامة.
منذ اللحظة الأولى حّذرنا من ان هذا القرار سيؤدي الى نتائج عكسية، وقلنا ان عائدات المهربين سترتفع، وان ادارة حصر التبغ والتنباك ستقع في عجز، وان عدد المدخنين لن يتقلص، وهذا ما حدث.
فقد استعادت محميات وامبراطوريات التهريب موقعها ازاء انخفاض مبيعات السجائر المستوردة رسمياً الى حدود الخمسين في المئة وكذلك نتيجة عدم دعم الصناعة الوطنية لتصبح قادرة على المنافسة .
وكما لم تحقق الخزينة العائد المتوقع في الأسباب المبررة لرفع الرسوم الجمركية على التبغ ومنتجاته فان ادارة الريجي وقعت في عجز مقداره واحد وعشرين مليار ليرة بدل ان ترفع عائداتها الى تسعة واربعين مليار ليرة لو لم يتم رفع هذه الرسوم .
فأين الصواب بالامعان في هذا القرار؟ وأيضاً لمصلحة من خلق محميات وإمبراطوريات للتهريب في وقت نعمل فيه جميعاً لتأكيد الثقة بالدولة، ونعلن فيه جميعاً تأكيدنا على ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.
ترى هل هناك نية مستمرة لتصفية الزراعات التبغية، أو لإعادة إخضاعها لانتداب الاقطاعيات والمرجعيات؟ أطرح هذا السـؤال من موقع الملاحظة انه حينما كانت ادارة الحصر شركة مستثمرة تتقاسم الارباح مع الدولة كانت الرسـوم لا تتعدى 6 بالمئة. فلماذا بعد ان اصبحت عائداتـها بكاملها للدولة ارتفعت من 6 إلى 25 إلى 40 إلى 54 ثم اخيراً إلى 138 بالمئة لتصبح عاجزة عن تأمين متطلباتها وخاصة شراء المحصول.
أطرح هذا السؤال والوقائع انطلاقاً من عدم مبادرة الحكومات المتعاقبة إلى:
1 ـ تنظيم قطاع زراعة التبغ والتنباك.
2 ـ عدم وضع مشاريع تحديث الصناعة الوطنية للسجائر وللمعسل، وحتى للسيجار الذي أجرينا مباحثات بشأنه مع الحكومة الكوبية موضع التنفيذ.
أطـرح هذه الملاحظات من موقع الخوف من ان يكون المقصود هو ايصال إدارة حصر التبغ والتنباك إلى موقع الخسارة لتبرير خصخصتها.
وأوجه عناية الحكـومة إلى كل ذلك لأن إدارة التبغ كانت تعطي فائضاً لايقل عن 45 مليون دولار للخزينة وهو الأمر الذي شجع الادارة ان تطرح في السابق استعدادها، في حال وافقت الحكومة، لتمويل مشروعات انمائية في المناطق المحرومة خصوصاً الهرمل وعكار.
كل ذلك في كفة، وفي الكفة الثانية يبقى السؤال: لماذا تحميل المواطنيـن المستهلكين للتبغ تبعات مالية إضافية بموجب مرسوم زيادة تصل إلى مئة وخمسين مليار ليرة لبنانية سنوياً أو دفعهم بإتجاه المهربين بحثاً عن السلعة التبغية الأرخص.
وأخيراً في مسألة التبغ يبقى، ان نعترف ان تجاوب الحكومات السابقة مع مطالبتنا بإعطاء اسعار تشجيعية للزراعات التبغية أعاد لشتلة التبغ معناها كرمز للصمود الوطني خصوصـاً في المناطق اللبنانية التي تحتلها اسرائيل وفي مناطق التماس، وادى هذا الأمر إلى زيادة القوى العاملة في هذه الزراعة، والعائلات المستفيدة، وإلى إخفاق السياسة التـي اتبعتها اسـرائيل في محاولة لجذب اليد العاملة اللبنانية إلى خلف خط الحدود الدولية.
انني بصفتي الشخصية، والتنظيمية، والرسمية، وبأسم كتلة التحرير والتنمية، وبأســم زملائي نواب المناطق المحرومة في عكار، والبقاع، والبترون، حيث تنتشر الزراعـات التبغية أطلب من الحكومة وبسرعة مراجعة قرار زيادة الرسوم ونتائجه وكذلك المطالب التي تقدمت بها الادارة والنقـابات خصوصاً تعزيز الصناعات الوطنية التبغية لأننا وفي كل الحالات لن نقبل بتصفية هذه الزراعة، أو بتحويل الريجي إلى مؤسسة خاسرة لتبرير خصخصتها.
أيها الاعزاء،
ولأننا في عرس التبغ، وفي عرس من أعراس الفلاحين المقاومين، ومن على منبر الجنوب أتطلع بأسف إلى التهالك العربـي الحاصل على خلفية الانتخابات الاسـرائيلية، واصدق ان الحقيقة هي اعتماد المستوى السياسي الاسرائيلي على ان العرب لا يقرأون وبت أصدق أيضاً أنهـم كذلك لا يسمعون، ولا يرون والا فما معنى هذه المصافحات في وقت تمعن فيه اسرائيل في إحتلالها، وفي تهديد القدس وفي الاعتداءات على جنوب لبنان.
لقد سارعت الكثير من العناوين العربية، إلى تجاوز الوقائع على مختلف المسارات قبل اغتيال رابين ثم تنبه بعض العرب إلى ان هذا الاغتيال هو إعلان قوى بأن المجتمع الاسرائيلي غير ناضج للسلام، ثم سقطت مواقع عربية أمام دبلوماسية شمعون بيريز الناعمة قبل ان تغدر اسرائيل بكل الآمال المعقودة على السلام آنذاك، وتطلق عملية عناقيد الحقد ضد لبنان، وترتكب مجازر المنصوري، والنبطية وسحمر، وقانا، واليوم يغمض العرب عيونهم، ويصّمون أسماعهم ويمحون ذاكرتهم، ويبدأون من جديد وكأن الطرح العربي الاسرائيلي هو وليد اللحظة، وكأن مسألة القدس، وعودة اللاجئين، وجنوب لبنـان والجولان والاراضي العربية، هي عناوين بسيطة يمكن القفز فوقها لتطبيع العلاقات مع اسرائيل.
اننا نقول للعرب، ان السلام يولد من تطبيع وتنسيق العلاقات العربية من رفع درجة، التضامن والعمل العربي المشترك وان صياغة تسـويات وإنشاء علاقات بالقفز فوق حقائق الصراع هو الأمر الذي مهّد ووّلد العنف طيلة السنوات الستين السابقة وهو الأمر الذي مكن إسرائيل من تجزئة الصراع وإدارته، ويمكّنها اليوم من إدارة وتجزئة التسوية بشروط الترتيبات الأمنية الاسرائيلية.
ونقول لأشقائنا، قبل اصدقائنا واعدا ئنا، ان السلام هو حاجة سـورية لبنانية، ولكن ما نريده هو السلام العادل والشامل المبني على القرارات الدولية والذي يؤدي إلى الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي اللبنانية دون شروط، والانسحاب المماثل الكامل من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران، ومنح اللاجئين الفلسطينيين حق العودة وحل مسألة القدس.
إننا على المستوى اللبناني، سنبقى متمسكين بالمقاومة، ونرفض كل محـاولات وصمها بالارهاب فهناك مسافة بين حق شعبنا في المقاومة، وارهاب الدولة في اسرائيل.
كما ان وحدتنا القضية الراسخة، ووحدة المصير المشترك مع المقاومة تشكلان الاقانيم الثلاثة التابتة لمواجهة خيارات المستقبل.
وبالترافق مع ذلك فإن ما يجب ان يكون معلوماً ومفهوماً، هو أن لبنان يرفض التوطين جملة وتفصيلاً. واننا لن نقبل بتذويب الشـخصية الوطنية للشعب الفلسطيني ولن نقبل حلاً على حساب دول الجوار العربية وفي الطليعة لبنان.
ان إقتـراح حلول وسط مثل منح اللاجئين جوازات سفر مرافقة لبعض التعويضات هي حلول تقفز فوق الحقائق التاريخية، وتؤسس لتوطين مستتر بالجواز وهي حيلة غير علمية، وغير عمليـة، لا يمكن ان تنطلي على الفلسطينيين أنفسهم وعلينا.
وفي كل الحالات، فإن اللبنانيين ليسوا أشّد رفضاً من الأبناء المخلصيـن لفلسطين الذين لن يفرطوا بحقوقهم، ولا بمستقبلهم، ولا بشخصيتهم وهويتهم الوطنية.
أيها الاعزاء ،
يا ابناء الارض المخلصون،
أيها الفلاحون الصابرون الصامدون،
انكم معنيون غداً بصياغة قانون اللامركزية، وبصياغة قانون الانتخابات، فلا قوانين تبنى على حساب المستقبل، وعلى حساب الاندماج والوحدة الوطنية.
ان فخامة رئيس الجمهورية الذي قدم انموذجه من خلال توحيد المؤسسة العسكرية، ومن خلال صهر عناصرها في بوتقة وطنية، هو مع لبنان الكبير، الموحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، ولن يقف في صف المتصرفيات ، كما انه لن يألو جهداً لدعم وتعزيز صمودكم في أرضكم وزيادة المساحات الزراعية تحقيقاً لازدهار الإنسان في لبنان .
عشتم
عاش لبنان
وفـي ختام الاحتفال أعلن الرئيس نبيه برّي أسماء الذين وزعت عليهم هدايا مقدمة من إدارة التبغ الى الزراعيين النموذجيين.