كلمة الرئيس نبيه بري في الجلسة الاستثنائية في حضور سمو أمير دولة قطر


 

عقد مجلس النواب اللبناني جلسة عامة استثنائية الثلاثاء 10/8/1999، وهي الاولى في العقد الاستثنائي الذي بدأ في 2/8/1999، ويستمر الى 18/10/1999، أي قبل يوم واحد من الدورة العادية الثانية للمجلس والتي تبدأ في 19/10/1999.
حضر صاحب السمو مير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قبيل الحادية عشرة الى ساحة النجمة، واقيم له استقبال رسمي امام مبنى المجلس النيابي، وكان في مقدمة مستقبلية الرئيس برّي الذي استقبله امام السيارة التي اقلته من مقر اقامته في فندق " الفاندوم " ، ولدى ترجله من السيارة، عزف نشيد التعظيم، ثم النشيد الوطني القطري، فالنشيد الوطني اللبناني.
ثم استعرض الشيخ حمد والرئيس برّي ثلة من حرس الشرف في لواء الحرس الجمهوري. وصافح لدى دخوله بهو مبنى المجلس، اعضاء هيئة مكتب المجلس قبل ان يدخلا سوية الى الى القاعة العامة. وجلس الشيخ حمد الى جوار الرئيس بري في مقعد الرئاسة فيما جلس بعض اعضاء الوفد القطري المرافق في مقاعد الحكـومة، في جوار رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص والوزراء : ميشال المر، جورج قرم، ناصر السعيدي، محمد يوسف بيضون، انور الخليل، أرتيور نظريان، غازي زعيتر، حسن شلق، عصام نعمان و نجيب ميقاتي ورئيس بعثة الشرف المرافقة للضيف القطري.
وحضر الجلسـة ايضاً حشد من رجال السلك الديبلوماسي والقنصلي المعتمدين في لبنان، وممثلوا الهيئات النقابية والاقتصادية.
 

الجلسة
 

افتتح الرئيس بري الجلسة تمام السـاعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة، وتليت اسماء النواب المتغيبين بعذر وهم السادة : خاتشيك بابيكيان، عصام فارس، شوقي فاخوري، ايلي سكاف، محسن دلول، طلال المرعبي، فريد مكاري، طلال ارسلان، مصطفى سعد، كميل زيادة، عبد الرحمن عبد الرحمن، رياض الصراف، وهاغوب جو خادريان.
ثم تلي مرسوم فتح العقد الاستثنائي لمجلس النواب.
 

كلمة الرئيس بري
 

والقى الرئيس بري الكلمة الاتية :
 

 

بســـــــم الله


 

صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر حفظكم الله،
السادة أعضاء الوفد المرافق،
صاحبي الدولة،
أصحاب المعالي السادة الوزراء،
السيدات والسادة رؤساء البعثات الدبلوماسية،
السادة الزملاء،
الحضور الكريم،
 

باسمي وباسم زملائي النواب، يسعدني أن أرحب بكم يا صاحب السمو في بلدكم الثاني لبنان، وأن اشكر لكم ولصحبكم تشريفنا بزيارة المجلس النيابي، وتوجيه رسالة إلى اشقائكم اللبنانيين من على منبر المجلس، وهو اختيار موفق له دلالاته ومعانيه، حيث المكان هو بيت الشعب اللبناني بكل طوائفه ومناطقه وفئاته، وهو التعبير عن حديقة الحرية اللبنانية، إضافةً لكونه مؤسسة التشريع والرقابة ورمز الديمقراطية والنظام البرلماني الديمقراطي.
 

إن المجلس النيابي الذي يتشرف باستقبال سموكم اليوم سبق أن استضاف على منبره عدداً من قادة الدول الصديقة، إلا أننا اليوم نشعر بسرور غامر لأنكم أول رئيس عربي يزور لبنان بعد استعادة سلامه الأهلي، وأول رئيس عربي يزور البرلمان اللبناني، ويقف تحت قبته وعلى منبره ليخاطب أشقاءه اللبنانيين.
 

إن زيارتكم لبلدنا ولبرلماننا هي استجابة نبيلة للتمني الذي حملته لسموكم باسم لبنان خلال لقائي بكم في قطر يوم الثالث عشر من نيسان 1995.
 

إن هذه الزيارة تشكل دعماً معنوياً لا يقدّر للبنان، ومناسبة لنا لتقديم الشكر للموقف الأخوي الذي وقفته قطر خلال محنة لبنان، وكذلك بمواجهة حروب إسرائيل ضد بلدنا.
 

صاحب السمو،
 

إننا إذ نلاحظ باعتزاز التقدم والنمو المتزايد الذي شهدته دولة قطر في عهدكم الميمون في مجالات التربية، التعليم، التدريب، تنمية المهارات الفنيـة، رعاية الشباب، الإعلام، الثقافة، الخدمات الصحية، الإحصاء والتخطيط، التنمية الإقتصادية، وتطوير شــؤون المرأة، والتطور في مختلف القطاعات والخدمات العصرية ـ إننا إذ نلاحظ ذلك ـ نسجّل لسموكم مبادرتكم الدسـتورية لتطوير الحياة السياسية في بلدكم، والتي سبق ونوّهنا بها عندما اطلعنا عليها، ولا أريد أن أجاملكم اليوم بوجودكـم، ولكن لا بد من التأكيد أن تعزيز آليات العمل الديمقراطية وزيادة مساحة الحرية هي استثمار في محله، سيجعل من بلدكم أنموذجاً لازدهار الإنسان.
اما من جهتنا في لبنان فقد تمكنّا خلال السنوات العشر الماضية من تثبيت مشروع الدولة وزيادة مشاركة المواطنين فـي كل ما ينتج حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وجرت الإنتخابات الرئاسية وقبلها البلدية والنيابية في أجواء أكدت تعطّش اللبنانيين إلى ترسيخ نظامهم البرلماني الديموقراطي.
 

لقد تمّ خلال السنوات السابقة استعادة دور الدولة على جميع الصعد، وبناء استقرار النظام العام، وإطلاق العديد من المشروعات لبناء نظام الخدمات، وكلّف لبنان ذلك الكثير من الجهد والمعاناة المستمرة.
والدولة اليوم في عهد فخامة الرئيس العماد إميل لحود تعتبر أن ثروة لبنان في إنسانه، وفي زيادة فرص تعليمه وصحته، وفي توسيع نطاق خياراته، وفي حماية حقوقه الأسـاسية المدنية والسياسية الإقتصادية والإجتماعية، وفي إعادة ترتيب الأولويات، وفي بناء هيكل الإدارة، وفي شفافية الممارسـة وصولاً إلى صياغة دولة القانون والمؤسسات.
 

إن الدولة في لبنان اليوم لديها التزام أخلاقي كامل بإنتاج وانتهاج سياسـة مالية، تمكّن لبنان من خدمة الدين العام وتخفيض عجز الموازنة، ووقف تمويل الإستهلاك الحالي بديون اقتصادية، وعدم التسبب في دين اجتماعي للأجيال المقبلة، وسرقة خيارات تلك الأجيال.
 

ولا أخفي على صاحب السمو، أن لبنان الذي وُعد بالترافق مع اتفاق الطائف بإنشاء صندوق عربي ـ دولي لمساعدته على مواجهة التنمية العلاجية ، الهادفة لإزالة آثار الفتنة وحروب إسرائيل ضد لبنان، قد خذل تماماً كما إن قرارات القمم العربية السابقة لدعم لبنان لم تنفذ، وعليه تُرك لبنان وحيداً لمواجهة استحقاق سلامه الداخلي لولا دور سـوريا المميز والدائم حتى في ما تدمّره إسرائيل ولولا بعض المسـاعدات الخليجية والصديقة الخجولة.
 

وإنني وقد أتيح لي خلال زيارتي لبلدكم الشقيق مقابلة سموكم ومصارحتكم بالوقائع اللبنانية، اتجرأ باسم لبنان رغم الإنتكاسات التي أصابت الإقتصاديات في الخليج بسبب الهبوط الذي أصاب اسعار النفط خلال الأشهر السابقة، أن أتمنى على سموكم إلى جانب مبادرتكم المعنوية الكبيرة بزيارة لبنان، وإلى جانب ما نلمسه من دعم متنوع، اتخاذ المبادرة لتأسيس صندوق عربي لمسـاعدة لبنان ومحو الديون والقروض المترتبة على لبنان للصناديق العربية والإسلامية وللدول العربية الشقيقة، وكذلك البدء بتنفيذ رغبة سموكم القيام ببناء سلسلة من المدارس المهنية في لبنان، من بينها مدرسة نموذجية في الجنوب لتعليم أبناء الشـهداء حيث سبق أن استقبلنا موفدين من بلدكم الشقيق في إطار التخطيط لهذا المشروع.
 

صاحب السمو
 

إن زيارتكم وصحبكم الكريم من كبار المسؤولين في بلدكم الشقيق الآن لبلدنا تأتي في لحظة لبنانية وعربية مناسبة، فعلى المستوى اللبناني، إن زيارتكم تؤكد لأشقائنا في العالم العربي وفي دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، ان لبنان يمثّل ضرورة عربية، وأن لبنان رغم المعاناة المترتبة على الإحتلال والعدوان الإسرائيليين، يمثل فرصة مستمرة للإستثمار وعنصر قوة اقتصادية في نظامه العربي. وعلى المستوى العربي فإن زيارتكم لبلدنا تؤكد أن أشقاءنا العرب وفي الطليعة قطر معنيون بتطورات صورة المشهد الشرق أوسطي الذي يمس أشقاءهم في لبنان وسوريا وعلى خلفية الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
 

لقد نقلت لسموكم خلال زيارتي لبلدكم العزيز وكذلك للمسؤولين في دولة قطر الوقائع المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي المستمر على بلدنا.
 

إن شيئاً لم يتغير في الممارسة الإسرائيلية لسياسة العدوان مع الطاقم الجديد الذي يحكم إسرائيل الآن، حيث وقع لبنان في الفترة الإنتقالية بين حكومة نتنياهو وحكومة باراك ضحية حرب جوية إسرائيلية بين 24 ـ 25 حزيران استهدفت شبكات الكهرباء والإتصالات والمواصلات.
ثم ومع تسلّم حكومة باراك لمسؤولياتها فإن ضغط كرة النار الجوية الإسرائيلية على لبنان قد ازداد، وتسجل يوميات الجنوب والبقاع الغربـي غارات جوية وقصفاً مدفعياً يومياً ينصب على المدنيين ومنازلهم ومزروعاتهم، إضافةً إلى سياسة الترويع والإرهـاب ضد المواطنين في المناطق المحتلة، والتي من مظاهرها حصار البلدات وعمليات الإعتقال الجماعية التي تطال النسوة والفتيات والشبان والعجائز.
 

صاحب السمو ،
الوفد المرافق،
السيدات والسادة الحضور،
 

إن هذا العنف الإسرائيلي المتواصل يحاول أن يترك تشوهات عميقة في اقتصاد لبنان السياحي والعمراني، وأن يعكس نفسه سلبياً على عمليات الإستثمار، ويضغط على لبنان لجعله حارس حدود لإسرائيل ورصيفاً للتسوية، يقبل بجعل تبعات اللاجئين الفلسطينيين إضافة إلى الأبعاد المائية والإسـتراتيجية والأمنية في إطار ترتيبات التسوية.
 

إن لبنان لا يمكنه أن يكون حارس حدود لإسرائيل، والتهديدات التـي أطلقها باراك بتدمير الجيش اللبنانـي في حال وقعت عمليات عبر الحدود هي إعلان مسبق لوظيفة سـبع وستين طائرة حربية تلقتها إسرائيل في إطار صفقة مع واشنطن.
والكلام الإسرائيلي يستعمل مبرر الذئب في افتراس الحمل باتهامه هو أو فرد من عائلته أو من أقربائه بتعكير المياه.
 

إننا في لبنان لم نقبل في الماضي ولن نقبل بأن تكون أرضنا اليوم أو غداً مكاناً للمناورات الإسرائيلية بالذخيرة الحية في صدور مواطنينا وممتلكاتهم، والجيش اللبناني سيكون الحارس الأمين لسيادتنا الوطنية على أرضنا وحتى حدودنا الجنوبية.
 

إنني وخلال لقائي مع سموكم عام 1997 قلت بالنص: أن لبنان لم يعتد يوماً على أحد، واشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية، وكان مدرسة القانون منذ الحضارات الأولى.
وأزيد اليوم، إن لبنان لم يشارك في أي من حروب المنطقة، بل كان علـى الدوام ضحيـة حروب إسـرائيل علـى أرضه والتي لم يكن آخرها ما سمّي بعملية سلامة الجليل عام 1982 والتي استهدفت في أحد أبعادها الإقليمية منظمة التحرير الفلسطينية وإخراجها من لبنان.
 

إن منظمة التحرير وقـعّت اتفاقيات مع إسرائيل، وأقامت نوعاً من السلطة على أراضٍ فلسطينية كانت تحتلها إسرائيل، فلماذا لم يغادر الجنود الإسرائيليون أرضنا ؟ ولماذا لم تنفذ إسرائيل القرار 425 ؟.
 

إننا نحن ـ اللبنانيين ـ فخورون بأنفسنا وبمقاومتنا، ولن نقبل في أي حالٍ من الأحوال بأن نماثل الحمل الوديع في اتهام الذئب له بتعكير المياه لافتراسه، وقد أثبتنا لأنفسنا ولأشقائنا العرب وللعالم أننا قادرون على رفع أصوات احتجاج أمهات الجنود الإسرائيليين ضد بقاء أبنائهن في وكر الدبابير اللبناني.
 

إننا في الوقت نفسه نؤكد على الموقف اللبناني الثابت برفض التوطين، وبرفض التفريط بثروتنا المائية، وتمسـكنا بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425.
 

صاحب السمو،
الوفد المرافق،
الضيوف الكرام،
 

انطلاقاً مما تقدم أكدنا على علاقة المصير المشترك والمسار المشترك مع الشقيقة سوريا، ليس فقط لأنها مدّت يدها البيضاء إلى لبنان خلال محنته، وليس فقط وفاءً لتضحيات جيشها في سبيل استعادة لبنان لوحدة أرضه وشعبه ومؤسساته، ودعمها المستمر للبنانيين في عملية صنع وبناء سلامهم الأهلي وإعادة بناء الدولة القادرة، وإنما لأن سوريا تمثل حاجة لبنانية وعنصر التوازن اللبناني مقابل القوة الإسرائيلية الغاشمة، ولأن تجربة البلدين الراسخة في التعاون والتنسيق فتحت الأبواب امـام إمكانية طرح التسوية الشاملة والعادلة تحت مظلة القرارات الدولية ووفق معادلة الأرض مقابل السلام.
 

إن مخاوفنا إزاء إمكانية صياغة التسوية تنبع من أن اليسار الإسرائيلي كما اليمين غير ناضج للسلام، وفي تجاهل الأمم المتحدة وقراراتها، وإن المستوى السياسـي في إسرائيل سواء في المعارضة أو الموالاة يحاول إخضاع التسوية لشروط الأمن الإسرائيلي ولهواجس الأساطير التي تحكم المتدينين والعلمانيين على حد سواء، انطلاقاً من المزايدة في عمليات تهويد القدس وإلغاء طابعها العربي والإسلامي والمسيحي، وكذلك الهرب إلى الأمام في رفض بحث مستقبل اللاجئين، وفي محاولة ملاءمة عمق الإنسحاب من الجولان مع المفاهيم الملتبسة للسلام الإسرائيلي، ومحاولات إسرائيل السيطرة على مساقط المياه.
 

صاحب السمو،
الوفد المرافق،
السيدات والسادة الحضور،
 

سواء على فرضية صياغة التسوية الشرق أوسطية او على صعيد الحاجات القطرية العربية والمشتركة فإننا ندعو دولة قطر الشقيقة إلى الاستمرار في بذل جهودها لتنقية الأجواء العربية، وإلى صياغة حد أدنى مقبول من التنسيق العربي يمكننا من الإستعداد لدخول الألفية الثالثة.
 

إن دولة قطر مدعوة لتقديم مساهمة جدية في عملية إنضاج وإخراج مشروع السوق العربية المشتركة.
 

إننا ورغم الإيجابيات التي تحققت والآمال المعلقة على تجارب المجالس والإتحادات العربية، من مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد دول المغرب العربي، إلا أن السوق العربية المشتركة تمثل طموحاً وأملاً مشرقاً وحاجة عربية ماسة وشرطاً ضرورياً، يمكّن العرب من أخذ موقعهم فـي النظام العالمي القائم على أبواب الألفية الثالثة.
 

صاحب السمو،
 

إن زيارتكم للبنان وصحبكم الكريم ستفتح الباب دون شك لزيادة العلاقات الإقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية والإنسانية بين بلدينا الشقيقين وستسهم باستعادة لبنان لأشقائه الخلجيين وفي الطليعة القطريين الذين كانوا ينتقلون بين منازلهم في وطنهم الأم وفي وطنهم الثاني.
 

إن هذا التعلّق الأخوي بلبنان يشكل رأسمال إنساني كبير لنا، لن نفرّط به، وسنعمل على الدوام من أجل تشديد أواصر العلاقة الأخوية المشتركة في الأقطار العربية وخصوصاً بين قطر ولبنان.
 

عشتـــــم يا سمو الأمير
عاشــــت قطـــر
عاش لبنان