كلمة الرئيس نبيه بري في رعاية افتتاح المدرسة الرسمية في زوطر الشرقية


 

رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري عصر السبت 31/7/1999، حفل افتتاح المدرسة الرسمية في بلدة زوطر الشرقية، والتي اشادها مجلس الجنوب، واقيم في ملعب المدرسة بحضور كل من: وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ميشال موسى، وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة محمد يوسف بيضون ممثلاً بالدكتور يوسف ضيا، والنواب السادة: ايوب حميد، احمد سويد، عبد اللطيف الزين، محمد عبد الحميد بيضون، علي حسن خليل، ياسين جابر وعلي عسيران، والنائبين السابقين عماد جابر ورفيق شاهين، محافظ النبطية القاضي محمود المولى، رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، رئيس جهاز المخابرات في الجنوب العقيد حسن ايوب، رئيس دير مار انطيوس في النبطية الاب باسيل ناصيف، قائد سرية درك النبطية الرائد اسعد طفيلي وشخصيات سياسية اجتماعية وتربوية وعسكرية وممثلي الاحزاب ورؤساء بلديات ومخاتير واعضاء المكتب السياسي لحركة "امل" وحشد غفير من المواطنين، إضافة الى علماء دين.
ولدى وصول الرئيس بري الى مكان الاحتفال نحرت له الخراف واستقبل بالتصفيق ونثر الارز والرياحين.
بداية، عزف النشيد الوطني اللبناني.

ثم توالى على الكلام الخطباء: رئيس بلدية زوطر الشرقية رياض اسماعيل، الدكتور يوسف ضيا ممثلاً وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة الاستاذ محمد يوسف بيضون، فرئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان.
 

وفي ختام الاحتفال، القى الرئيس نبيه بري كلمة هذا نصها:
 

للجنوب، جهة الجهات، وقبلة الصلاة، كتاب " امل الآمل " المزدهر بأسماء العلم في جبل عامل.
للجنوب، مخطوطة الابجدية الاولى، ومنظومة الاصول، ومدرسة المقاومة.
للجنوب، لحضوره الممتلئ بالكلام الواضح الى حد الصمت، لشجاعته وقلقه المباح، لحياته الزاخرة بالنضوج رغم الحرمان، ولشهادته المحلقة كطلعة الوان قوس قزح.
للجنوب، ليومه الذي يرتدي الاخضر، لقراه المعلقة بخيط الافق على تماس الوجع، والتي تحتمي بخرز الصبر الازرق، من الموت الكثير الذي يحاصرها، ومن صيبة عين الاحتلال،
لزوطر، عنب الكلام المعصور في خوابي القصيدة.
لذاكرتنا التي لا تغادر اسماء ابنائها، لشيخها الشهيد اكرم فقيه واخوته البررة احمد اسماعيل وعلي تركيه وحسين حريبي.
لحارس النهر ( ابو حرب ) علي حريبي
ولحراس بر الجنوب في كل موقع : هشام عطوي، رضوان باغي، وسيم ياغي، وعباس ذباتو..
لقافلة الشهداء الطويلة من ابناء زوطر التي تنتهي الى الطالبين صدام وفريد حرب
لعطشكم العتيق على فم النهر
ولكم تحية الوطن وبعد،
 

كانت زوطر من اولى المدارس العاملية في القرن الحالي، ثم انتظرت بصبر حتى تتشبع مدن وبلدات ودساكر الجنوب بالمدارس حتى تكون لها مؤسستها التربوية.

ولأن زوطر بلدة المربي العلم الشيخ نعيم مهدي احد اول المدرسين في هذه المنطقة والذي كان يجمع تلامذته من كل الطوائف والمحيط تحت الشجرة او في حجرة القلب

لأن زوطر كذلك، جئت اليها اليوم لأوكد انها تستحق وسام امل، وسام الامام الصدر على تضحيات ابنائها وشجاعتهم وعلى صمود اهلها. جئت اليها لأفتح هذا الصرح التربوي باسم مدرسة الشيخ نعيم مهدي، تكريما" لذكراه وعطائه، آملا" ان يستحق خريجو مدرسته في المستقبل اسمه وتراثه، كما استحقه تلامذته الاوائل.

ايها الاعزاء،

ان تاريخ الجنوب يجب ان يسجل ان هذه المدرسة هي واحدة مما يزيد عن مئتي مدرسة ابتدائية او تكميلية او ثانوية، انجز مجلس الجنوب بناؤها او توسيعها او ترميمها، وهي هدية قيمة لاجيالنا في الحاضر والمستقبل، وهـذه الهدية هي تعبير مقاوم بكل معانيه وابعاده التربوية والعلمية والانسانية.

وكون الحديث عن مجلس الجنوب وانجازاته، فإن شعبنا لن ينسى دور هذه المؤسسة الوطنية في دفع تعويضات لما يزيد عن ثلاثة الاف شهيد، وكذلك اربعة الاف جريح اضافة الى تقديم الخدمات في مجال علاجهم، وكذلك دفع الرواتب لعائلات ابنائنا المعتقلين والتعويضات للمحررين.

وذاكرة الجنوب لا تنسى دور هذا المجلس في اغلاق ملف المهجرين من شرق صيدا، واعادة بناء الف واربعماية منزل، وترميم اربعة الاف ومئة وثمانية وثمانين منزلا" ( 4188 )، ولن تنسى المنح المدرسية لابناء الشهداء والمعتقلين، والبنى التحتية والاشغال التي طالت مئات المشاريع في الجنوب، ومنها جر المياه وحفر وتجهيز الابار الارتوازية، وانشاء الخزانات وتحديث وانشاء الكثير من شبكات الكهرباء والمواصلات.

اقدم هذه الشهادة اليوم رغم انها تأتي متأخرة في الرد على الافتراءات، لأقول ان موازنة هذه المؤسسة الوطنية التي اجترحت المعجزات لا تتجاوز الستين مليار ليرة، وهو مبلغ لا يوازي المبالغ المخصصة لمشروع واحد تولته بعض المؤسسات.

ان هذا المجلس يشكل انموذجا" لمؤسسات متخصصة على مساحة المحافظات الريفية، ومعالجة ملفات الحرمان والغبن المزمنة، وتصل الى المناطق الاشد حاجة وفقرا"، والتي تراجعت مؤسسات الدولة عن القيام بواجباتها تجاهها.

فمن نافل القول ان مجلس الجنوب غطى عجز وزارات الخدمات واداراتها طيلة السنوات الاخيرة، حيث قام العاملون فيه على الدوام بكل جدية وصبر بأدوارهم، وكانوا المبادرين الى تلبية حاجات اهلنا حيث يقع العدوان الاسرائيلي حتى في عمق الوطن.

اننا اليوم، ومن زوطر، البلدة الصابرة الصامدة المقاومة، نتطلع الى شركاء المسؤولية في الدولة لأن يروا بعين الحقيقية، انه حيث تخلفت الاجهزة الرسمية عن القيام بمسؤولياتها، تجرأ مجلس الجنوب على الاقدام وعلى وضع امكانياته من اجل تعزيز صمود اهلنا في ارضهم.

وربما يعرف من تعاقب على المسؤولية في ادارات الدولة المختصة او لا يعرف، او يعرف ويحرّف ان بلدة زوطر مثلا" التي تقع على فم الليطاني تعطش الى الميـاه، ويقتطع اهلها جزءا" من مدخولهم لنقل مياه الشفة والاستعمال.

انني اليوم وفي عهد فخامة الرئيس العماد اميل لحود آمل ان تتجرأ الدولة على فتح ملف الليطاني، وعلى مراجعة مشروعات المهندس اللبناني العبقري ابراهيم عبد العال.

لقد قدمنا مثالا" خلال وزارة الدولة لشؤون الجنوب ومن خلال مشروع جزئي وضعه المهندس آمسيان، هو ايصال المياه الى بضع عشرة بلدة وقرية، وحدث نفس الامر من خلال مشروع لوسي وآبار فخر الدين، وغدا" من خلال مشروع آبار تفاحتا الذي سيؤمن مياه الشفة لبلدات وقرى في اقضية الزاهراني والنبطية وصيدا.

ان مجرد اتخاذ قرار بفتح ملف المياه اللبنانية هو الخطوة الاولى بإتجاه تأسيس تنمية مستدامة، تراهن على توسيع رقعة الاراضي الزراعية والتأسيس لمشاريع تعزز قوى العمل والانتاج، وبالتالي الصمود الوطني خصوصا" في البقاع الغربي والجنوب.

اقول ذلك لأن سياسة التقشف وشد الاحزمة واصلاح الادارة، واتباع سياسة توظيف مجدية استجابة لضرورات مكننة الادارات تتطلب اجراءات مصاحبة تنطلق من الاستثمار على المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية التى تزيد الانتاجية وتخفف البطالة.

ادعو الى مبادرات جريئة، بل الى ثورة في مجال تخطيط وتنفيذ المشروعات، انطلاقا" من ترتيب سلم اولويات المشاريع التي تعالج الجذور العميقة للحرمان الاجتماعي والاقتصادي، بما يعني التزام الانموذج العالمي للتنمية الذي يجعل الناس هم محور التنمية، ومن اعتبار النمو الاقتصادي وسيلة وليس غاية لحماية فرص الاجيال الحاضرة والاجيال المقبلة.

اننا لا نريد استغراق العهد الحالي الذي راهنا عليه وانتظرناه بالاثارة والبلبلة والتشكيك، واننا نرى ان هناك فرصة مهمة لاطلاق دور الدولة في النشاط الاقتصادي، انطلاقا" من التركيز على التنمية الموالية للمواطنين ولفرص العمل وموالية للطبيعة.

كما اننا نرى ان هناك فرصة لجذب الاستثمارات واعادة توليد دروها، وانني هنا اقترح على الوزارات المختصة بالتعاون مع لجنة التخطيط والانماء النيابية دراسة التجربة التونسية في هذا المجال، وقد تلقيت خلال زيارتي الاخيرة لتونس هدية قيمة من وزير الاستثمارات، هي خلاصة تجربة في هذا المجال مترجمة بشكل قانوني محسوس، اضافة الى تجربة في مجال الاقراض للمشاريع الفردية المنتجة التي تراهن على تنمية القدرات والمهارات الفردية فرص التعليم.

ان حلول المعضلات لا تكمن بالهرب الى الامام وبمحاصرة القطاع العام وتصفية مؤسساته وبيعها للقطاع الخاص الاجنبي او المحلي، وارجو ان لا يفهم من كلامي انني ضد الخصصة فأنا مع الخصصة في كل المجالات الممكنة للتنافس بإستثناء المياه والكهرباء.

ان حلول الكثير من المعضلات تبدأ بإلغاء الاحتكار وبحماية التنافس، وبتوسيع شبكة الخدمات الاجتماعية، وتعميم الضمان الصحي والضمان الاجتماعي، وتسريع المبادرة الرسمية لضمان الشيخوخة.

كما اننا نرى ان توجيه استثمار الدولة في المرحلة الحالية يجب ان يركز على الشباب والطلاب.

لقد اتخذ عدد من المؤسسات الاهلية مبادرات في مجال تعليم المهن للشبان والشابات الذين منعتهم ظروف الحرب الاهلية واستتباعاتها من متابعة التحصيل العلمي او اكتساب مهنة.

ان المطلوب ان تبادر الدولة الى اعداد وتنفيذ مشروع لمحو الامية المهنية والوظيفية، وتوليد طاقات انتاجية في مجال الحرف المختلفة، واكساب الشباب المعرفة والمعلومات والمهارات التي تمكنهم من الوفاء لاحتياجاتهم المادية والروحية المتنامية، وتوسيع الخيارات في مجال فنون الانتاج.

ايها الاعزاء،

من زوطر بلدة الشهداء والمقاومة، وعشية عيد الجيش اتوجه بالتحية الى ابناء المؤسسة الدفاعية قائدا" وضباطا" ورتباء وعناصر على تأكيدهم كل يوم، انهم على قدر المسؤولية في تولي مهمة الامن والدفاع، وعلى طابع الصورة النقيـة التي اعطتها المؤسسة العسكرية كمؤسسة للانصهار والاندماج الوطني.

لقد كنا اصحاب الرهان على الاستثمار على اعادة بناء الجيش وابعاده عن التأثيرات السياسية والطائفية والمناطقية، ليكون انموذجا" مؤسسيا" على المستوى الوطني وعلى مستوى المهمات، وعلى مستوى استعادة الثقة بالدولة وبناء استقرار النظام العام، بدعم من الجيش العربي السوري الشقيق الذي نتقدم من قائده وباني سوريا الحديثة الرئيس حافظ الاسد بالتهاني في العيد المشتـرك للجيشين، مؤكدين ان البلدين كما الجيشين سيكون كل مهما عضد الاخر.

ومن زوطر البلدة الواقفة على خط الافق مع الامل بالتحرير، نتذكر ان لقاءنا اليوم يصادف ذكرى حرب اسرائيل ضد لبنان في الاسبوع الاخير من تموز 1993، وذكرى حصار بيروت في عام 1982 وتدمير لبنان تحت ستار سلامة الجليل.

نتذكر ذلك من واقع ان المستوى السياسي في اسرائيل سواء كان من الليكود اوالعمل قد جرب العصا الحربية الاسرائيلية في لبنان وفي كل المجالات، فإن باراك من موقعه كرئيس للاركان لم يكن اكثر رأفة ورحمة باللبنانيين من شارون وايتان، وسيبقى لبنان يحمل العلامات الفارقة الناتجة عن ارهاب الدولة في اسرائيل بكل عناوينها.

اذكر بذلك من زوطر، بلدة التماس التي تحمل روح ابنائها على كفها، واقول لأهلي في الجنوب والبقاع الغربي ان يكونوا اكثر تنبها" في مواجهة الاحتمالات المرتقبة في المنطقة.

ان ما نلمسه هو هجوم دبلوماسي، يحاول ان يعكس نتائج الانتخابات الاسرائيلية ايجابيا" على عملية السلام، دون ان يجاري الخطاب السياسي الاسرائيلي وذلك بتعبيرات تبرز تغيرا" جوهريا" وعمليا" في مواقف المستوى السياسي الاسرائيلي الجديد.

ان محاولة حسابية لاجمال صورة الحركة المرتبطة بالشرق الاوسط سوف تبرز تسرعا" في اصدار الاحكام على خلفية عملية الربح والخسارة في الانتخابات الاسرائيلية، في حين ان تلك النتائج تعكس في واقع الامر نتائج الصراع في اطار اشكالية هوية السلطة وادارة مشروع اسرائيل وليس صياغة السلام.

ان مخاوفنا المستمرة تنبع من أن التوجه الاستراتيجي الاسرائيلي يتحرك وفق حدود حركة سلاح الجو والاسلحة النووية الاسرائيلية، ووفق الاستثمار الاسرائيلي على عائد التسوية في اطار مشروع الشرق اوسطية.

لقد اغلق باراك قبل ان يصل الى السلطة وكذلك بعد عودته من واشنطن باب القدس ورمى المفتاح من خلفه. وهو يعتبر ان مسألة اللاجئين مشكلة يجب ان تصفى خارج حق العودة.

ان الامم المتحدة وقراراتها ودورها مغيب تماما" في برنامج باراك قبل وبعد وصوله الى السلطة.

ان باراك يحاول اخضاع المسار اللبناني السوري لشروط الترتيبات الامنية الاسرائيلية، من خلال الموازنة بين شروط السلام الذي تراه اسرائيل وعمق الانسحاب.

انني لذلك كله ابدي مخاوف من صورة الحركة الاسرائيلية المقبلة على المستويين الدبلوماسي والعسكري ـ الامني.

وانني هنا بمواجهة الاحتمالات المتوقعة سواء في اطار صراع الحوار مع اسرائيل او العدوانية الاسرائيلية، وكما على كلّ منبر عربي ومحلي اشدد على المستوى الوطني على زيادة عناصر الوحدة الوطنية وتعزيز صمود الجنوب والبقاع الغربي، والتمسك بالمقاومة كخيار وطني، وزيادة التنسيق والتعاون مع سوريا على قاعدة وحدة المصير المشترك.

ان السلام حاجة ملحة للبنان ولسوريا.

انكم يا اهلنا في الجنوب وهنا في زوطر ن تنشدون السلام وتأملون بوقف ادوار حمى العنف الاسرائيلي والدمار والقتل الاسرائيلي لابنائكم، الا انكم بالطبع لا تبحثون عن أي سلام.

ان السلام الذي نريده هو السلام العادل والشامل تحت مظلة القرارات الدولية السلام الذي يمنع اغتيال طلاب المدارس العائدين الى منازلهم، والسلام الذي يوقف كرة النار الجوية والبرية التي تضرب قراكم وحقولكم، السلام الذي يمنع العاب الاطفال المفخخة والقنابل العنقودية وعناقيد الجريمة الاسرائيلية.

ايها الاعزاء،

يا ابناء واخوة الشيخين نعيم مهدي واكرم فقيه..
يا حراس الليطاني،
لا زال الطريق مليئا" بالمفاجآت المؤلمة الا اننا اليوم وقد استعدنا الدولة بفضل صمودكم على كل المحاور وفي كل زمان ومكان، وبفضل صبركم وصمودكم وتعاونكم متفائلون بقدرتنا على صناعة السلام بالاماني المعلقة على خط السراب.

ان خط المقاومة والممانعة والصمود الممتد من الجولان الى جنوب لبنان، من ادهم الى سلطان، هو رهان السلام الحقيقي من اجل ازدهار اوطاننا العربية خصوصا" في سوريا ولبنان.

عشتم
عاش لبنان