ورشة في مجلس النواب عن "الكلفة الاجتماعية للاصلاحات الاقتصادية"
انعقدت في المجلس النيابي، صباح اليوم، ورشة عمل وطنية بعنوان "التكلفة الاجتماعية للاصلاحات الاقتصادية في لبنان: المنظور البرلماني ومنظور المجتمع المدني" برعاية رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري وقد مثله النائب عبد الطيف الزين، في حضور وزيري العمل بطرس حرب والشؤون الاجتماعية سليم الصايغ، السفير الايطالي غبريال كيكيا، رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى، الامين العام للاتحاد البرلماني العربي نور الدين بوشكوج، رئيس معهد ايبالو جياني دي فيكيلس، الامين العام للشؤون الخارجية في مجلس النواب الاستاذ بلال شرارة واختصاصيين اقتصاديين واجتماعيين.
النائب الزين
افتتح الجلسة النائب عبد اللطيف الزين بكلمة جاء فيها: "بداية، أود ان انقل اليكم ترحيب رئيس مجلس النواب دولة الرئيس نبيه بري، الذي شرفني بتمثيله اليوم، وتحياته وتقديره العالي لكل المشاركين في هذه الورشة الهامة، ولمنظميها وخصوصا معهد IPALMO وجمهورية ايطاليا وحكومتها التي لم تأل جهدا لدعم لبنان والتنمية والاصلاح فيه. وأود ان اضم صوتي الى صوت دولة الرئيس بري بتأكيد أهمية هذه الورشة لناحية موازاة الاصلاح الاقتصادي والسياسي مع دعم المجتمع واستقراره وازدهاره وعدم تحميل المواطنين، وخصوصا الفقراء والمهمشين منهم، عبء التحديات التي تفرضها العولمة وانفتاح العالم على بعضه بالشكل الذي نراه اليوم، ومن أوجه أهمية هذه الورشة تركيزها على دور البرلمانيين والمشترعين، وعلى دور المجتمع المدني اللبناني في ضمان العدالة الاجتماعية في اطار المشاريع والمبادرات الاصلاحية".
وتابع: "فقد رأينا مرارا وتكرارا في لبنان والكثير من الدول النامية وضع وتنفيذ سياسات وبرامج اقتصادية يكون هدفها الاساسي التزام دفاتر شروط هيئات ومنظمات دولية او غير ذلك من المحددات الخارجية، فكانت النتائج كارثية والسبب ان القيمين على هذه السياسيات لم يأخذوا الاعتبارات الاجتماعية لدى رسمهم لهذه السياسات، وهم الذين يفترض ان يعرفوا خصائص مجتمعاتهم وحاجاتها. وقد تعلمنا من تجاربنا وتجارب غيرنا ان البرلمانات التي يفترض ان تمثل شعوبها وتعالج همومها يجب ان تكون صمام الامان وتلفت السلطات التنفيذية الى تداعيات سياساتها على المواطن، وان تحاسبها على هذا الاساس، بالتعاون مع المجتمع اللبناني".
واردف: "لقد أثبتت الاعوام الاخيرة وتجارب الدول والامم ان ليس هناك وصفة سحرية للنمو الاقتصادي، فليس هناك برنامج او سياسة واحدة قابلة للتطبيق في كل الدول بالطريقة ذاتها. فما يصح في اوروبا قد لا يصح في آسيا، وما يحقق نتائج باهرة في مكان ما يمكن ان يؤدي الى حرب أهلية في مكان آخر، لكننا نكون نضيع وقتنا وطاقتنا ان لم نأخذ العبر من تجارب غيرنا فنأخذ منها ما يلبي طموحاتنا ونتجاهل ما يتناقض مع خصوصياتنا وخصائصنا. هذه هي العولمة الصحيحة وهذا ما يجب علينا ان نركز عليه في لبنان انطلاقا من هذه الورشة، وبالتالي أتمنى من المشاركين ان يبقوا في اذهانهم عددا من الخصوصيات والخصائص اللبنانية التي تتمثل اولا في موقع لبنان الجغرافي والسياسي وثانيا في تركيبة لبنان الاقتصادية والاجتماعية.فلبنان هو بلد صغير وجزء من العالم العربي، وتربطه بالدول العربية مصالح وقيم وخصائص مشتركة، وهو منذ أواسط القرن الماضي، أي منذ ظهور النظام الاسرائيلي، يقاوم العدوان تلو العدوان، ويعاني التدمير الذي يلحق به نتيجة لرفضه الاستسلام والهيمنة والظلم. هذه الخصوصيات التي قلما نجدها في دولة أخرى، يجب ان نبقى على سلم الاولويات عند وضع السياسات والاستراتيجيات".
وتابع: "لبنان، كما نعرف جميعا، هو بلد مختلط تتميز تركيبته الديموغرافية بالتنوع الطائفي والاجتماعي والاقتصادي، ولطالما كان هذا النوع مصدرا للغنى عندما عرفنا كيف نحوله الى قوة محركة وكان ايضا مصدرا للحروب وعدم الاستقرار والتدخلات الخارجية عندما فشلنا في ادارته بشكل صحيح. وهذه الخصوصية لا تقل أهمية عن الخصوصية الاولى، وبالتالي فان أي سياسات وبرامج لا تأخذ هذه الخصوصية في الاعتبار سيكون مصيرها الفشل في أحسن الاحوال".
وقال: "لنستطيع بناء السياسات واصلاح البنى الاقتصادية بشكل يتناسب مع خصوصيات لبنان، نحتاج الى بناء مؤسسات عصرية نابعة من قلب المجتمع. فالعمل المؤسسي المرتبط بشكل وثيق بهموم المواطن وحاجاته هو الحل للاشكالية التي تفرضها ضرورة الانفتاح ومواكبة العصر في مقابل ضرورة التنبه للقضايا والتحديات على المستوى المحلي، وفي هذا الاطار يأتي دور المجلس النيابي ليراجع ويصحح السياسات التي تضعها مؤسسات السلطة التنفيذية ومن ثمة محاسبة المسؤولين عن أي تقصير بعيدا عن الاعتبارات السياسية وغيرها، هنا يبدأ العمل المؤسسي".
واشار الى "ان هيئات المجتمع المدني هي السلطة الرديفة الذي تقع عليها ايضا مسؤوليات كبيرة في هذا السباق. فهذه الهيئات، وبالاضافة الى واجباتها في سد الثغرات في الخدمات التي تقدمها الدولة، فهي من صميم المجتمع ويجب ان تعبر عنه وعن حاجاته اليومية، وان ترفع الصوت عاليا لتشير الى خلل ما وتنبه مؤسسات الدولة بشقيها التشريعي والتنفيذي الى قضايا لا يعرفها الا من يعيشها يوميا، وتراقب بعين يقظة ما اذا كانت المؤسسة الرسمية وهي بالتالي تكمل دور المجلس النيابي وندعمه، بل ان التعاون الوثيق بين المجلس النيابي وهيئات المجتمع المدني يمكن ان تحقق قفزات نوعية على الصعد كافة، بما في ذلك موضوع ورشة العمل التي نحن في صددها، والتي هي في الصميم حول العدالة الاجتماعية في ظل السياسات والاصلاحات الاقتصادية في لبنان".
وختم: "نحن الآن في صدد اطلاق ورشة العمل هذه، وكلمة ورشة في لبنان ترتبط بشكل اساسي بالبناء او الترميم الخ. وأتمنى ان نستطيع تحويل هذا النشاط ليتماشى مع هذا المعنى، ولتكون هذه الورشة ورشة حقيقية لبناء الشركات والفهم المشترك لنستطيع ترميم دولتنا ومؤسساتنا ولتمكين جميع سكان هذا الوطن من العيش بكراكة في ظل سياسات حكيمة توفر النهوض والنمو والتقدم".
السفير الايطالي
وقال السفير الايطالي: "ان اجتماعنا هو خير دليل على الجو الايجابي للبرلمان"، ورحب بالوزيرين حرب والصايغ، ولفت الى ان "لدينا تعاونا متينا في كل مشاريع التعاون". وأعرب عن اعتقاده ان النائب الزين "أظهر أهمية ورشة العمل هذه ودور ايطاليا في تبادل القدرات في الشرق الاوسط ليشعر المواطنون بان الدولة قريبة منهم وكيف نقرب المسافة لما يمثله لبنان منذ بدء تاريخه من حيث الرسالة للمنطقة. فهو ديموقراطية حية ويتمتع بالخصائص وعلينا ان نقدر قيمته هذه"، مشددا على "تبادل الخبرات اذ ان لبنان بلد مميز".
وشدد دي فيكيلس على "ضرورة معالجة المشكلات الاقتصادية والمالية"، معتبرا انه "تحد للبشرية"، لافتا الى ان "النزاعات من الممكن ان تكون مدمرة للغاية"، وشدد على "دور مجلس النواب في معالجة المواضيع".
وقال: "اسمحوا لي ان اوجه خالص الشكر الى معهد العلاقات بين ايطاليا والبلاد الافريقية واللاتينية والشرق الاوسط IPALMO ورئيسه معالي البروفسور MICHELIS DE GIANNI وسعادة السناتور RIVOLTA DARIO الذي بادر بهذا المشروع القيم والدكتورة GUADAGNINI PATRIZLA التي كانت وما زالت المحرك الاساسي لهذا الحدث الهام والتي عملت من دون ككل مع فريقها من اجل إنجاح هذا العمل الجيد والمفيد والذي يساعد من من دون شك على تطوير الفكر السياسي الاقتصادي في خدمة المجتمع اللبناني".
الجلسة الاولى
بعد ذلك، بدأت الجلسة الاولى بعنوان "التكلفة الاجتماعية للاصلاحات الاقتصادية في لبنان"، وأدارها ممثل رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة لبيروت وجبل لبنان محمد شقير عضو مجلس ادارة الغرفة ناجي مزنر، فتحدث عن "الإجراءات التي تشكل رافعات للنمو" وقال:" إن اهتمام اللبنانيين بالثقافة والتعليم أعطى، من دون شك، زخما للنمو بفضل انفتاح الأجيال الطالعة على التقنيات المتطورة وحسن استخدامها في شتى المجالات، وفي المقابل، إن اعتناء الدولة بالمدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية من شأنه أن يضاعف النتائج التي حققها الاقتصاد. هنالك خطة جاهزة تستحق التطبيق، هي "التعليم للجميع". وبرزت فوائد التوظيف بشبكات الطرقات، والمطار، وتسهيل المواصلات البرية والجوية والبحرية، وتوسيع شبكة الانترنت إلى أرجاء الوطن كافة. كل ذلك ساهم في تقريب المسافات وزيادة المنافسة وتحسين استخدام الموارد البشرية والمادية. واكتسبت الأسواق المحلية، إلى حد ما، مزايا الأسواق الواسعة والمجدية. وهذا ذو أثر بالغ على النمو الاقتصادي".
اضاف: "على المدى القريب والمتوسط، في الشأن الاقتصادي ينبغي تشجيع التوظيف في الصناعات المتطورة والتي توفر فرص عمل تلائم طاقات الشباب اللبناني، حتى يبقى في أرضه وينمي بلاده وتحسين شروط التجارة الخارجية بضم الخدمات إلى الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف التي يعقدها لبنان وإجراء الخصخصة عند أول فرصة متاحة من اجل تحسين الخدمة وخفض الكلفة.
على الصعيد الاجتماعي رأى "ضرورة اعتماد أهداف ممكنة للبطالة والاستمرار في تطبيقها عبر سياسات تشجيع الاستخدام. إن شبكات الأمان الاجتماعي لا تعطي مفاعيلها إلا في ظل بطالة مقبولة ووضع سياسات ترفع نسبة العمالة، لا سيما عبر تسهيل عمل المرأة وتقليص فترة البحث عن عمل أول للشباب. إن نسبة العمالة في لبنان (نسبة القوى العاملة مقارنة بعدد السكان بين سن 15 و64 سنة) منخفضة جدا وتوازي 45 في المئة، في وقت يرتفع المتوسط في البلاد المتقدمة إلى 65 في المئة (المتوسط الحالي الأوروبي)". وشدد على "ضرورة اعتبار إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الأولويات، ثم البحث في توسيع حمايته إلى كل فئات المواطنين، وضرورة عتماد صندوق مستقل للتقاعد، وتدقيق الدراسات الأكتوارية من مراجع عالمية في البلدان التي اختبرت هذا النظام لمدة طويلة". وسأل: "هل نتكلم على إصلاح الإدارة، وملء المراكز الشاغرة، وترشيد المعاملات، ومكافحة الرشوة، وتحديث الإدارات؟ نعرف أن الدولة جادة في تحقيق كل ذلك، ولكنه لن يتحقق، أو على الأقل لن يتحقق بالسرعة التي يبتغيها اللبنانيون".
وطالب ب "إزالة المعوقات (والحصانات) التي تحول دون تطبيق برنامج الإصلاح والتحديث".
وقدم الباحث سمير نصر دراسة عن "التكلفة الاجتماعية للاصلاحات الاقتصادية في لبنان".
الوزير الصايغ
وقال الوزير الصايغ: "نشكر رئيس مجلس النواب والبرلمان للنقاش النوعي الذي يهدف الى طرح اشكاليات مهمة. وأشكر دولة ايطاليا على المبادرة التي تقوم بها، وكذلك "ايبالمو".
وتحدث عن "موضوع الاصلاحات الاقتصادية وارتباطها بالواقع"، لافتا الى ان "لا بيانات احصائية كافية"، وتطرق الى النمو الاقتصادي، داعيا الى "عدم خلط الامور ببعضها"، واعتبر "اننا امام اشكالية والمطلوب منا مقاربة سريعة وليس بمنظار تغيير جذري"، ولاحظ "اننا في ادارة الازمة"، ورأى ان "الاشكالية هي ضبط الدين العام ومواجهة الازمات الاقتصادية"، وأعطى مثلا على ذلك "ما جرى في بعض دول العالم"، وقال: "لا مفهوم لموضوع التنمية الاجتماعية"، وأورد دراسات في الوزارة عنها، ولفت الى "اننا وزارة خدمات اجتماعية لمعالجة حالات، ولكن ليس هناك امكان لتنمية اجتماعية كما اراها اليوم واسمح للمبادرة الفردية ان تحل محل الدولة ولبنان كان رائدا في دول العالم بالتنمية الاجتماعية ولدينا مؤسسات رعاية"، متحدثا عن موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية، وقال: "الوزارة ترعى المعوقين والايتام والاوضاع المأسوية وغير ذلك، والمطلوب زيادة موازنتها وليس لدينا ارقام دقيقة حول الناس تحت خط الفقر ونعرف ان كلفة مكافحة الفقر لا تقل اليوم عن 50 مليون دولار واذا صار هناك هزة اقتصادية يتضارب العدد".
اضاف: "انطلاقا من هذا الواقع، وضعنا الميثاق الاجتماعي، للمرة الاولى، يوضع في تاريخ لبنان وهناك دراسات في هذا الشان ستقدم الى الحكومة لاعتمادها. واصبح لدينا مسودة بين ايدينا سنبدأ بمشاركة اوسع انطلاقا من شهر آب وايلول ولبنان رائد فيها. وهي ستقدم في آخر فصل في العام 2010، أي استراتيجية اجتماعية نخترع شيئا جديدا بل كل ما في الماضي والحاضر نحن نضع تدابير اولويات لنعرف ما هي الخريطة الاجتماعية". وتطرق الى الهدر، مشددا على "أهمية التنمية المستدامة"، مركزا على "الانسان والفقير"، متحدثا عن "برنامج الفقر لتحويل المساعدات الاجتماعية ان كانت نقدية او كيفية لنقل لهؤلاء الناس اننا نقف الى جانبكم".
الوزير حرب
وألقى الوزير حرب كلمة قال فيها: "أود، بداية، أن أثني على مبادرة القيمين على تنظيم ورشة العمل هذه، وتحديدا مؤسسة IPALMO. كما اني أعبر عن تقديري للسفارة الإيطالية، ومن خلالها الحكومة الإيطالية الراعية لهذا الإحتفال. لقد كانت إيطاليا دائما إلى جانب لبنان، ولا بد لي من التأكيد أن بين لبنان والمجتمع الدولي، خصوصا في هذه المرحلة، إلتزام حماية الإستقرار، وإحترام قرارت الشرعية الدولية، وفي مقدمها القرار 1701".
اضاف: "يطرح هذا اللقاء عنوانين بارزين، أولهما دور البرلمان الأساسي في انتظام آلية الحكم، وتثبيت الديموقراطية. وثانيهما الكلفة الإجتماعية للإصلاحات الإقتصادية ويطرح إشكالية النمو الإقتصادي وشروطه.العنوانان مفصليان في الإستقرار والإقتصاد وإرساء الحقوق الأساسية للأفراد، وإن مسألة الكلفة الإجتماعية للإصلاحات الإقتصادية، تطرح علينا أسئلة بديهية مثل:أين نحن من الإصلاحات الإقتصادية؟ وماذا أنجز منها حتى اليوم؟أين نحن من رفع القيود على القطاع الخاص، ومن تحفيز آليات النمو؟أين نحن من إصلاحات قطاعات أساسية تشكل قاطرات النمو الحقيقية لا سيما الإتصالات والطاقة وشبكات التنقل؟".
اضاف: "لقد أطلقت حكومتنا مبادرات متعددة تصب في اتجاه هذه الإصلاحات، وفي اتجاه تحسين بيئة الأعمال لا سيما على المستوى القانوني والإداري، وفي اتجاه تطور الأسواق المالية، وتفعيل قنوات الإستثمار بين المصارف والقطاع الإنتاجي. إن الكلفة الإجتماعية للاصلاحات الإقتصادية، وهي الهم الأبرز اليوم في المجتمعات الصناعية المتقدمة، وفي الإقتصادات الناشئة في إطار تأسيس إقتصاد العولمة، توازيها كلفة إجتماعية أيضا لغياب هذه الإصلاحات الإقتصادية. وربما يكون غياب الإصلاحات الإقتصادية في الحالة اللبنانية أكثر وقعا من كلفة الإصلاحات فيها".
وتابع: "إن تكبيل آلية الإنتاج والتأخر عن إحداث الإصلاحات الأساسية، وربطها بالسجالات السياسية يرتب على اللبناني كلفة إقتصادية لا تلبث أن تتحول كلفة إجتماعية تثقل كاهلهم، وتدفع بهم إلى اليأس والهجرة، وتهدد الإستقرار والتوازن في الداخل.من هذا المنطلق، أشدد على الإستثناء الذي يشكله الواقع اللبناني، من دون أن أغفل طبعا إشكاليات النمو، وما يرافق الإصلاحات الإقتصادية عموما من أعباء إجتماعية تلقي على عاتق الدولة مسؤولية معالجتها ومواكبتها لناحية تحفيز نمو يوفر الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي في آن واحد".
وقال: "الواقع ان لدينا اليوم فرصة حقيقية لإنجاز إصلاحات إقتصادية بأقل كلفة إجتماعية، لتوافر عنصرين لم يتوافرا في لبنان في العقدين الماضيين: النمو الإقتصادي والتوافق السياسي. فالإصلاحات الإقتصادية في زمن الوفرة أو النمو والإستقرار أقل وقعا منها في زمن الركود.إن ما نشهده اليوم في المجتمعات الأوروبية حيث تضاف إلى الركود الإقتصادي أعباء إجتماعية إضافية طارئة أو حديثة مثل زيادة الضرائب وإطالة فترة العمل قبل سن التقاعد، يزيدنا تصميما على الإفادة من هذه الفرصة لتحصين نمونا وتمتين شبكة الحماية الإجتماعية المساندة له.إن الإصلاحات الإقتصادية الإجتماعية التي باشرتها منذ تولي مسؤولياتي في وزارة العمل، تقوم على قاعدة إطلاق قانون عصري للتقاعد والحماية الإجتماعية يوفر حياة لائقة بعد سن التقاعد، من خلال معاش تقاعدي مضمون في حده الأدنى، وعائد على المدخرات، مؤمن أيضا في حده الأدنى، وتغطية صحية كاملة، الأمر الذي ليس متوفرا للمواطن اللبناني حتى اليوم".
واردف: "إن نظام التقاعد والحماية الإجتماعية لا يمكن النظر إليه ككلفة إجتماعية للاقتصاد، لا بل كمحفز للنمو لكونه عاملا يستقطب مجمل القوى العاملة، ويعزز رأس المال البشري، فكلما كان هذا الأخير بخير كان النمو وصاحب العمل والعامل بخير أيضا.أما على مستوى التغطية الإستشفائية، فنحن نعاني ومنذ زمن تنامي الكلام على الإصلاحات الإقتصادية، وأزمة على مستوى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. فالمشكلة البنيوية التي يعانيها قطاع الصحة في العالم، وفي معظم الإقتصادات، مردها إلى زيادة معدل العمر وتضحم الفاتورة الإستشفائية بمعدل أكثر من معدل التضخم العام، بالإضافة إلى تطور التقنيات الصحية، وتنامي الطلب على الخدمات الصحية التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. نعاني في لبنان تحديدا أزمة ثقة بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، الأمر الذي يتطلب إصلاحا مزدوجا، إن لجهة فلسفة نظام التغطية الإستشفائية، أو لجهة هيكلة المؤسسة وادارتها وآلية عمل الصندوق وتأمين خدماته. وهذا ما أخذنا على عاتقنا الإضطلاع به، فأطلقنا ورشة لإعادة النظر في نظام تغطية صحية شاملة وكاملة لكل العمال، بمن فيهم المستقلون والحرفيون، وحتى أصحاب العمل وأفراد عائلاتهم. بالتزامن مع طلبنا لإدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي إستكمال مكننتها وتحديث مسالك عملها، من أجل توفير خدمة لائقة للمواطنين، ما يندرج في سلة الحقوق الإنسانية الأساسية".
وقال: "أطلقنا ورشة عملنا الإصلاحية أيضا في وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام بدءا بوضع مرتكزات سياسة العمل في لبنان، وكلنا يقين أن الظرف اليوم مؤات لتعزيز الإستقرار الإجتماعي، إن لجهة أرقام النمو المحققة على رغم تداعيات الأزمة الإقتصادية، وإن لجهة التوافق السياسي الذي تجسد في شعار أساسي للحكومة: "أولويات المواطنين هي أولويات الحكومة".يبقى أن الكلفة الحقيقية في نظري تبقى في غياب الإصلاحات لا سيما تلك التي تعنى بشكل مباشر أو غير مباشر بالحد من الهدر والفساد.لم تعد اليوم المقولة قائمة في أن على العامل إنتزاع حقوقه من صاحب العمل، إنما الواقع هو أن قوى الإنتاج الحقيقية اي شركاء العقد الإجتماعي يمتلكون مساحة مصالح مشتركة لتعزيز آليات النمو ورفع مستوى الإنتاج والحد من الهدر والفساد. فالنمو يدر ربحا وفيرا على الطرفين ويكرس العدالة الإجتماعية، ومسؤوليتنا أن يكون توزيع إنتاج النمو توزيعا عادلا يحفظ الديمومة الإقتصادية ويجود الإنتاجية".
وختم: "إسمحوا لي أن أؤكد اقتناعا بات راسخا لدي بأن لا نمو إقتصاديا على حساب الحقوق الإجتماعية للمواطنين، ولا حقوق إجتماعية على حساب النمو الإقتصادي".