رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي حفل توزيع
شهادات لخريجي كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية بفروعها الخمسة في الجامعة
اللبنانية والبالغ عددهم 530 طالباً لدورة 1997 ـ 1998، وذلك عصر الجمعة 9/ 7 /1999
في قصر الاونيسكو في حضور عدد من النواب وشخصيات دينية واجتماعية وممثل لقيادة
الجيش وفي حضور رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور اسعد دياب وعميد كلية الحقوق
الدكتور ابراهيم قبيسي وعمداء الجامعة اللبنانية ومدراء فروعها وعميد كلية الحقوق
في جامعة دمشق وحشد من ذوي الخريجين والطلاب.
وألقى الرئيس برّي كلمة في الخريجين، هذا نصها:
لهذا اليوم الذي يضحك فيه القلب من صميمه فرحا"
ومستبشرا" بشموع الخريجين التي تضيء المكان .
ولهذا اليوم الذي يخطف ذاكرتي عمرا" الى الوراء ، فأبصرني وانا اقف كأني لا اريد ان
اغادر لحظتي الى الفراق مع كليتي التي تعلمت فيها حقي كمواطن في التعبير والانتماء
، وحيث اكتشفت المسافة بين القانون وتطبيقه ، وحيث اكتشفت ان الطائفية طائفة خاصة
تتسلط وتحتكر وتتقاسم المغانم ، وحيث اكتشفت ان ضعف لبنان عن النهوض بمسؤولية تجاه
الجنوب تواطؤ ، وحيث اكتشفت ان الليطاني لا يذهب بإرادته لتملح في البحر ، وحيث
اكتشفت ان القرى تعطش وهي تعوم على البحر من الماء .
لهذا اليوم الذي يعيدني الى شبابكم والى كليتي التي تعلمت فيها الوطن والمواطن ،
والمواطنية والعاصمة والحدود ، معاني مختلفة عن التي يستهلكها البكوات والساسة في
الدواوين .
لهذا اليوم احمل فرحتي من عام الى عام فأغسل تعبي واتجدد بعزيمتكم
وبعـد وبعـد ،
مرة جديدة ككل عام ، وعندما يقترب موعد الاحتفال
بالخريجين من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية ، ارى نفسي مسبوقا" لقبول رعاية هذا
الاحتفال ، اولا" بدافع الحنين الشخصي المستمر الى تلك الكلية التي تخرجت منها ،
وكانت بوابتي الى الحياة والى خدمة بلدي ، والى الوقوف في حياتي الطالبية والمهنية
امام كبار الاساتذة الذين اجلهم واحترمهم ، وثانيا" بدافع التزامي المستمر منذ ذلك
الحين بالنضال المطلبي الذي قادني لترؤس الاتحاد الوطني لطلبة لبنان ، ومن ثم
للانخراط في العمل السياسي لأحمل امانه الامام الصدر على رأس حركة امل التي هي
لبنان وفي قلبه الجنوب وازالة الحرمان ، ثم على رأس المؤسسة التشريعية وهي مهمة
وطنية تتطلب مسؤولياتها التشريعية والرقابية والسياسية ان اشرف على عملية صنع
القوانين والسهر على تطبيقها ، وايضا" ان استمر بنوبة حراستي على محاور الصمود في
الجنوب .
وها انا اليوم في رحاب هذه الكلية افتح باب الحياة امام الخريجين الذين سيصطدمون
بفرصة العمل ، فأقع في حيرة قلقة بين فرحة وغصة الغد ، ولكن لا بد من بداية ان
اتقدم من رئاسة الجامعة وعمدة الحقوق واساتذة الكلية بكل فروعها ومن اهالي الخريجات
والخريجين بأحر التهاني على نجاح الابناء الاعزاء ، سائلا" الله ان يوفقهم وان يسدد
خطاهم وهم ينتقلون من مرحلة الاتكال على الاهل الذين حملوهم على اكفهم وحموهم برموش
اعينهم خلال السنوات الصعبة من عمر الوطن الى مرحلة الاتكال على النفس والتحول الى
قوة عمل وانتاج ومشاركة في بناء الوطن .
السيدات والسادة
انني ومن منطلق مخاوفي وهواجسي خلال السنوات السابقة
على حفظ النظام العام وعدم تعكير صفو الامن ، وفي مجال ترتيب الاولويات ناديت
للاستثمار على المؤسسة الدفاعية ( الجيش )وقلت ان تلك المؤسسة ستثبت انها بيت
للتنشئة الوطنية ومكان الانصهار والاندماج والتربية الوطنية .
واثبتت هذه المؤسسة صدق الرهان وكان من حسن طالعنا ان رعاية هــذه المؤسسة كـانت من
قبل قائدها فخامة رئيس البلاد اليوم العماد اميل لحود .
انني اليوم ، وفي مجال ترتيب الاولويات ومن منطلق مخاوفي وهواجسي على المسقبل انادي
بالاستثمار على التربية والتعليم والصحة .
ان استخدام عائد السلام الاهلي يجب ان ينصب على الشباب وعلى الاستثمار في تعليمهم،
والى فتح الافاق امامهم للتلاؤم مع الفتوح المذهلة في مجال الابتكارات التكنولوجية
.
ان اول المهمات المطروحة امامنا هي حماية فرص اجيالنا الحاضرة والمقبلة عبر توسيع
نطاق قدراتهم البشرية وتوظيفها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
والسياسية .
ان توجيه تنمية هذه الموارد يجب ان يتم وفق حاجات اسواق العمل الوطنية حتى لا يبقى
بلدنا مصدرا" للموارد البشرية ، وحتى تصب تنمية هذه الموارد في اطار تنمية موالية
لفرص العمل ، وتسهم في الحد من البطالة والعمالة المنتجة والتكامل الاجتماعي واعادة
توليد البيئة
. ان الاستثمار على التعليم في جميع مراحله وصولا" الى التعليم العالي في اطار
تنمية الموارد البشرية الوطنية يجب ان يمكن المواطنين ويوسع خياراتهم العلمية
والانتاجية ومبادراتهم ليس في المجال الاقتصادي فحسب بل وفي المجال السياسي
والاجتماعي والثقافي .
كما ان الازمة الاقتصادية التي نعيش والركود الاقتصادي الذي يحكم المنطقة يجب ان لا
يؤثر بأي صورة من صورالاستثمار على تعزيز روح مشاركة ابنائنا في كل ما ينتج حياة
المجتمع والدولة ، وعلى توفير المزيد من المناخ الديموقراطي لممارسة حقوقهم
الاساسية المدنية والسياسية والانخراط في الاحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني
.
انني ادعوكم ايها الابناء الاعزاء لمشاركة العهد ومشاركتنا في ايجاد قناعة كافية
لدى المستوى التشريعي والسياسي لتخصيص اعلى الموارد في الميزانيات العامة المقبلة
واستثمارها على : التعليم والصحة وعلى ايجاد الوسائل للتخفيف من الديون وسد الثغرات
في عجز الموازنة وتغذية الرأس المال الوطني المادي والبشري عبر المشروعات ذات
الجدوى الاقتصادية ، وفي الطليعة ضبط الموارد المائية وتوسيع المساحات الزراعية
ودعم انشاء صناعة سياحية تلائم اثار لبنان وتراثه الانساني ومناخه .
ان الاستثمار على التعليم يجب ان يبدأ بالتسريع في :
اولا" : انجاز مشروع بناء الجامعة اللبنانية .
ثانيا: تطوير مهمة لجنة المناهج في الجامعة ، لتتعدى اعداد المناهج لتلائم الالفية
الثالثة ، الى مهنة اخراج التعليم العالي من صيغته الاكاديمية الحية الى صيغة ترتبط
بالتربية كصناعة كبرى ، لا سيما من اجل تحقيق الارتباط الاوثق بين الاعداد ومتطلبات
سوق العمل المتغيرة والمتجددة في عصرنا ، أي بإختصار ( تنمية تربية تستجيب للحاجات
الاقتصادية الاجتماعية ولمطالب المتغيرات التكنولوجية ) .
ثالثا" : وبعد انجاز سلسلة الرتب والرواتب ومراعاة مطالب رابطة الاساتذة المتفرغين
، انجاز قضية المعايير الضرورية التي يجب ان تشكل مستندا" لاستيعاب من له حق ،
وتتوافر فيه الشروط من اساتذة الجامعة لدخول الملاك .
رابعا" : انشاء المزيد من مراكز البحث العلمي والتوثيق في الجامعة اللبنانية
استنادا" الى تجربة كلية الحقوق في هذا المجال التي كان المجلس النيابي اول
المستفيدين منها عبر توقيعه لاتفاقية مع هذا المركز .
خامسا" : انشاء مجلس اعلى للتربية مهمته ايجاد صلة عضوية بين الخطة التربوية والخطة
الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وبعبارات اقل غموضا" وربط حاجات سوق العمل بالخريجين
من الاختصاصات المختلفة بحيث لا تتحول الجامعات ، وخصوصا" الجامعة الوطنية ، الى
مجرد مكان لانتاج عاطلين عن العمل بدرجة مقبول وجيد وجيد جدا" من حملة الشهادات
العليا .
واعود في مجال توضيح هذا الاقتراح الى طرح هذا السؤال الذي اردده منذ رعايتي لتخريج
طلاب جامعة اللويزة منذ اعوام الى الامس القريب في اللقاء المفتوح مع زملاء لكم في
مطلع نيسان المنصرم وهو :
اين سيعمل الخريجون هذا العام ؟ هل ان سوق العمل بحاجة الى مزيد من اطباء الاسنان
او المهندسين المدنيين و المحامين والمتخرجين في حقول العلوم السياسية والعلوم
الاجتماعية والاداب والفنون ؟
هذه هي الاسباب الموجبة لانشاء هذا المجلس ، اما بالنسبة لتشكيلته فإن اقتراحي يضم
ممثلين عن :
1 ـ مجلس الخدمة المدنية الذي يعرف حاجات القطاع
العام من خلال الفراغات المتوقعة في ملاكات الدولة بسبب بلوغ السن القانونية او
لاسباب اخرى .
2 ـ المؤسسة الدفاعية والمؤسسات الامنية التي سيلزمها مع تطور وسائل المعلوماتية
والوسائل الدفاعية والامنية الاستعانة بالخريجين الجامعيين .
3 ـ جمعية المصارف
4 ـ جمعية الصناعيين
5 ـ غرف الصناعة والتجارة
سادسا" : رفع مستوى التعليم التقني ورفع قدرته الاستيعابية بما يتناسب مع الحاجات
الحالية والمستقبلية واعادة النظر في الاختصاصات التي يؤمنها ، وتأمين اساتذة
مختصين عن طريق المعهد الفني التربوي .
سابعا" : اعادة النظر في المناهج التربوية التي اصدرت العام الماضي والاخذ بعين
الاعتبار الاراء والملاحظات التي صدرت عن اكاديميين لبنانيين في كل مادة .
ايها الاعزاء
ان من حقكم الاطلاع على صورة الموقف في بلدكم وفي
منطقتكم وانتم تطرقون باب المستقبل اعتبارا" من اليوم .
ان في لبنان اليوم فرصة لازدهار القانون ، وهذه الفرصة التي يمثلها فخامة الرئيس
العماد اميل لحود كنا ننتظرها منذ عهود طويلة ، وهي مترافقة مع خطاب القسم ، فرصة
نرى فيها الجميع سواسية امام القانون لا تكون فيها العدالة استنسابية ولا يكون فيها
عضو خاص .
وكما ترون ، فإن الذين يخافون حكم القانون حاولوا اغتيال هذه الفرصة بإغتيال عدد من
خريجي كليتكم الذين تبؤوا سدة القضاء وارتكبوا جريمة لم يشهد لبنان مثيلا" لها حتى
خلال الحرب الفتنة .
ان هذه الجريمة قد لا تكون بقـوة نسف سيارة مفخخة اغتالت شارعا" ، اوبقوة تماثل
اغتيال الضوء في العاصمة او تدمير الجسر الذي يربط لبنان بجنوبه ، ولكنها جريمة
هدفت لاغتيال مسيرة العدل في لبنان ولمحاولة اعادة انتاج السيبان الامني ، وتحويل
لبنان الى غابة من الوحوش المفترسين وابقائه مستوعبا" للازمات .
ان يد الله فوق ايدي المجرمين ، وانتم مطالبون منذ اليوم بأن تكونوا في صف العدالة
التي تمهل ولا تهمل ، ومطالبون بنشر وعي قانوني ودستوري ومطالبون بفرض احترام سيادة
القانون في بلدكم .
انتم مطـالبون بالوقوف في طليعة مؤسسات المجتمع المدني لاغلاق ملفات الحرب
وللمساهمة في التربية على الديموقراطية وتوسيع افق الحوار .
اقول ذلك لأننا في المجلس النيابي مصممون مع فخامة رئيس الجمهورية والحكومة على
اثبات ان السلطة كحقيقة اجتماعية وعلاقة قانونية تعد اداة حتمية لا غنى عنها لخلق
مجتمع منظم ، يجد المواطنون في رحابه الامن والحماية وحق الانتماء والتعبير
والتعليم والصحة والوصول الى القوت والسكن حيث يريدون .
ان اعتمادنا بعد الله في مسيرتنا المستمرة هو على الخريجين من ابناء الذين تسلحوا
بالعلم والمعرفة ، ولم يعد بإمكان احد جرهم الى محاور الفئوية والمناطقية
والعشائرية والطائفية والمذهبية لاغتيال لبنان .
وفي كل الحالات ، فإن الدولة والوعي الوطني مكننا من تجاوز الاثار السلبية التي
توقعها الحياة كنتيجة لجريمة اغتيال القضاة ويبقى ان العدالة ستجد طريقها الى
الحياة .
ان لبنان ايها الاعزاء ينتظر دوركم في تعزيز السلطة
المحلية عبر ممارسة حقكم الدستوري غدا" في اطار قانون اللامركزية الذي نتوقع ان
يبصر النور خلال العام الحالي ، وينتظر مساهمتكم في بناء هيكل السلطة التشريعية وفق
قانون انتخابات ملائم في العام القادم ، الشخصية النيابية ستصبح جزءا" من مسؤوليتكم
الوطنية .
كما ان لبنان الذي يعيش واقع ازمة اقتصادية والذي يشد الاحزمة في اطار عملية تقشف
هادفة ، ينتظر مساهمتكم كقوة عمل وانتاج وكطلاب تخرجون من مقاعد العلم والمعرفة
للمساهمة في ترشيد الانفاق وفي بلورة الافكار والخطط التي تعزز الاقتصاد الوطني .
اما في ما يختص بقضيتنا الوطنية المتمثلة بالاحتلال والعدوان الاسرائيليين فإنني
اوجه ملاحظاتكم الى ان لبنان دفع فاتورة هروب حكومة الليكود الى الخلف في تحلل من
التزامات حكومتي رابين وبيريز ، ومخاوفنا وهواجسنا اليوم تنبع من امكانية هروب
حكومة العمل الى الامام تهربا" من كل التزامات سابقة .
اننا نتخوف من عجز حكومة باراك من السير خطوات بإتجاه مفاوضات الحل النهائي على
المسار الفلسطيني حيث جوهر القضية الفلسطينية المتمثل بالقدس وعودة اللاجئين ، وحيث
اعلن باراك سلفا" لاءاته المتضمنة اعتبار القدس عاصمة ابدية لاسرائيل . وكذلك عجز
حكومة باراك من السير باتجاه مفاوضات الحل الشامل والعادل ، حيث اعلن باراك سلفا"
احدى لاءاته المتضمنة رفض العودة الى خطوط عام 1967 ، وحيث برنامجه يتضمن ملاءمة
عمق الانسحاب من الجولان مع السلام الذي يريده وحيث يريد انسحابا" ممرحلا" من جنوب
لبنان بشروط الامن الاسرائيلي .
ان خيارنا ازاء الاحتلال سيبقى المقاومة والتمسك بالقرار 425 وبتفاهم نيسان تجنبا"
للمدنيين المزيد من المجازر الاسرائيلية .
انكم ايها الاعزاء معنيون بنشر وعي حول قضية لبنان ومعنيون ببناء صمود لبنان ،
ومعنيون بسلوك كل طريق وطريقة للمقاومة .
السيدات والسادة
الابناء الاعزاء
ان من حق طلاب الحقوق في الجامعة اللبنانية ان
يفخروا بالمنجزات التي تحققت وفي طليعتها الاتفاقيات الموقعة مع جامعتي دمشق وعمان
لانشاء معهد التحكيم للتجارة الدولية ، وشبكة العلاقات مع جامعات في مختلف انحاء
العالم لاستقبال طلاب لبنانيين انجزوا مرحلتهم الثانوية لنيل شهادة الحقوق في تلك
الجامعات .
ومن حق طلاب الحقوق ان يفخروا بأن خمسا" وستين بالمئة من خريجي كليتهم يشكلون الجسم
القضائي في لبنان .
ان من حق طلاب الحقوق ان اول مدرسة للحقوق في الشرق كانت في بيروت مرضع القوانين ،
وان دولة القانون والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص سيكون بنّاؤوها الخريجين من
كلية الحقوق .
ايها الاعزاء
ها ان كليتكم ترسلكم لتبشروا برسالتكم : القانون ،
فلا تنحازوا سوى الى الحق والحقيقة والى الانسان الذي هو رأسمال لبنان .
عشتم
عاش لبنان
وفي ختام الحفل، وزّع الرئيس برّي ورئيس الجامعة
دياب وعميد كلية الحقوق قبيسي الشهادات على الخريجات والخريجين.