كلمة الرئيس نبيه بري في حفل تدشين الثانوية الرسمية في البازورية


 

رعى رئيس مجلس النواب، الأستاذ نبيه برّي، السبت 2/10/1999 حفل تدشين بناء المدرسة الثانوية الرسمية التي أنشأها مجلس الجنوب في بلدة البازورية ـ قضاء صور، في حضور وزير التربية محمد يوسف بيضون والنواب محمد عبد الحميد بيضون، محمد فنيش، محمد رعد، علي الخليل، علي حسن خليل، علي خريس، أحمد سويد، ياسين جابر، حسن علوية، صلاح الحركة، سليمان كنعان وسمير عازار، كما حضر رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان ومدير عام المجلس هاشم حيدر والمدير العام للشباب والرياضة زيد خيامي ومحافظا الجنوب والنبطية فيصل الصايغ ومحمود المولى، والمطران يوحنا حداد راعي الطائفة الكاثوليكية في صور، المطران مارون صادر راعي الكنيسة المارونية في صور، ولفيف من رجال الدين ورؤساء بلديات ومخاتير وحشد تربوي وثقافي واجتماعي وسياسي وشخصيات عسكرية وقيادات أمنية وحشد غفير من المواطنين. وزينت شوارع البلدة والطرق المؤدية إليها باليافطات وشعارات الترحيب بالرئيس برّي.

 

 وبالمناسبة ألقى راعي الاحتفال الرئيس برّي الكلمة التالية:
 

أوّلُ الكلام، سلام لهذا المساء العاملي الذي يحملنا على جناح نسيمه الـى منزل بلدتكم عبر بوابة ثانويتها، لنسـابق فرحة طلابها لامتحانات الدخول الى فصل الجنوب، ومكان الجنوب وزمان الجنوب، حساباً وقراءة وشعراً.
 

أوّلُ الكلام، مساء يصعد سُلَّم الوقت كحلم وسيم، ويلتمس الطريق الى الجنوب، ليغسله بالعطور الأثيره.
 

أوّلُ الكلام، سماءُ الصحو الحبلى بالمطر الشديد، الذي يستعد بعد إشارة للإندلاع على يباس الزمان.
 

أوّلُ الكلام، أسماء شهدائكم من كل المنابع التي تضيء مدرسة الشجرة، ومثلث حانين والطيبة والزرارية، ومعتقل أنصار...
 

أوّلُ الكلام : حوراء، التي اسكت رصاص المحتل شفافها عن النبض الشجيِّ فغار في عتباتها وهج الحروف...
 

أوّلُ الكلام : الماء، وقريباً ينجز خط الجرّ من وادي جيلو الى البازورية، وبذلك تحقق البلدة الكثيـر من لائحة مطالب، بعد أن تمّ مد شـبكات الكهرباء والمياه، وضخ المياه الجوفية وانجز بناء هذا الصرح التربوي.
 

أوّلُ الكلام : الماء، والخضراء والشهداء
ثلاث عناوين للجنوب، منذ ان كانت مملكة على أبهة الصخرة صـور، الى اللحظة التي قام فيها الصمت من خوفه الى الكلام العلني وفضح أسماء الشهداء من أجل أن يبقى لبنان.
 

بداية اعبر عن فرحي الشديد بإفتتاح هذا الصرح التربوي في البازوريـة على أبواب العام الدراسي، وهو واحد من جملة مؤسسات تربوية أنجز مجلس الجنوب مشكوراً بناءها، وهي تمتد على مساحة الجنوب في بلدات وقُراه، اضافة الى زيادة طوابق وأجنحة جديدة لمدارس عدة قرى وبلداتْ.
 

أعبر عن فرحي الشديد أوّلُاً بهذا الحدث الذي يتكرر، مشاهد تربويـة في عهد الدولـة المعاصرة التي تفتح مدارس لا سجوناً، وهو أمر يؤكد أن مفهوم السلطة أصبح له طابع الواجب والمسؤولية عن تنميته الموارد البشرية، وتطوير ادراك ومهارات المواطنين وتسـليحهم بالعلم، ولم تعد الدولة خصوصاً في الجنوب مجرد مخفر وحاجز، إضافة الى عسس الاقطاع.
ثانياً : لأني تأكدت من تزاحم المواطنين على أبواب المدارس الرسـمية ليس لأن وقائع الأزمة الإقتصادية ـ الإجتماعية هي الدافع لذلك فحسب، بل لأن المدرسة الرسمية استعادت قيمتها وحضورها بعد ان كاد التعليم الرسمي يتلاشى لصالح المدرسة الخاصة.
 

إن هذا الأمر يستدعي تعزيز التعليم الرسمي سواء بالأبنية او بالتجهيزات وبالمدرسـين الكفوئيـن، بحيث يصبح لكل طالب مقعد، وفـي هذا الاطار فإنني مجدداً أنوّه بالدور الوطني الكبير الذي يقوم به مجلس الجنوب الذي يخصص جزءاً هاماً من موازنته لتعزيز القطاع التربوي، بحيث تشـتمل خطته التنموية للعام القادم انجاز أبنية مدرسية في لالا والصريري (البقاع الغربي) وحوالي عشرين بناءً مدرسياً في الجنوب.
ثالثاً : لأن أوّلُويات الصمود الوطني بمواجهة العدوان والإحتلال تحتّم تأهيل مناطق المواجهة الأساسية سواء في الأرض المحتلة او الأرض المحررة، من أجل ان يستطيع المواطنون الذين يشكلون قاعدة الإرتكاز الشعبية للمقاومة وبحرها للبقاء والإستمرار.
 

إن ذلك لم يكن ممكناً لولا مجلس الجنوب الذي كان ثمرة من ثمرات تحرك حركة المحرومين ولولا المشروعات التي يطلقها.
 

انني على مستوى عملية الصمود أشدد على ضرورة ان تعطي مؤسسات الدولة المنطقة الحدودية المحتلة الأوّلُوية في مشـاريعها، سواء لمنع العدو من استغلال غياب الدولـة او لمواجهـة أي اسـتحقاق، وفي هذا فإنـي أنوّه بتخصيص مجلس الجنوب لجزء كبير من ميزانيته للعام القادم، لإنجاز مشروعات في تلك المنطقة سواء لحفر أبار أرتوازية او لمدّ شبكات مائية وكهربائية او تجهيز وترميم وتأهيل مدارس.
 

وهنا وازاء الواقع الصحي الضاغط على اهلنا في المناطق المحتلة، فإنني أوجه عناية وزارة الصحة الى المسارعة لتجهيز المستشفيات الخمس المنجزة فـي تلك المنطقة وتشغيلها، وكذلك المراكز الصحيّة التي تم انجازها، ولاتزال تنتظر ولازال أهلنا ينتظرون وما بدّلوا تبديلا.
 

أيها الأعزاء،
 

وطالما ان المناسبة تربوية وقد لامسنا الواقع الصحي، فإنني أعود للتشديد علـى القول : ان تأمين مجانية التعليـم وإلزاميته في المرحلة الأوّلُى، وتعزيز المدرسـة الرسمية والجامعة الوطنيـة، وكذلك مدّ شبكة الضمان الصحي والاجتماعي لتشمل جميع المواطنين، وصولاً الى ضمان الشـيخوخة ـ ان هذا الأمـر ـ يُمكِّن اللبنانيين من تجاوز واقع الأزمة الإقتصادية ـ الإجتماعية، ويؤمّن عبر الإستثمار على تعليم أبنائنا وصحتهم المزيد من الفرص أمام مواطنينا.
 

وبالعودة الى الجنوب وخصوصياته والتحديات التي يواجهها لبنان عبر جهة القلب هذه، فإنـه لا بد من فتح الأعين على "الأدبيات" الإسرائيلية التي لا تنفكّ حتى اللحظة التأكيد على الأطماع الإسرائيلية بالمياه العربية وخاصة اللبنانية.
 

أيها الأعزاء،
 

ان الخطط الإسرائيلية والدراسات المنشورة قبل أسابيع التي تبحث في تلبية حاجـات إسرائيل المائية، تركز بشكل خاص على بركة كنيريت او ما يعرف ببحر الجليل التي تقع ربع مساحتها في لبنان، وتعطي معدلاً سنوياً دائماً يبلغ ستماية وعشرة ملايين متر مكعّب من المياه بعد تبخّر نحو مئتين وخمسين مليون متر مكعّب، منها خمسماية من نهر الأردن وأنهر الحاصباني والدان وبانياس و300 مليون متر مكعّب من السواقي في نهر الأردن وكنيريت، ومئة مليون متر مكعّب من مياه الأمطار التي تسقط على هذا المستجمع وربعه في لبنان. ان أهمية هذه المياه تكمن في جودتها، فهي صالحة للشرب وللري في آنٍ واحد.
 

ان الدراسات الإسرائيلية تعتبر ان اهمية هذا المستجمع تتزايد سنوياً، ولا يجوز تحت أي طائل تعريض هذا المصدر للخطر.
 

ان هذا الكلام الإسرائيلي موجه الى الأردن وسوريا ولبنان.
وهذا الكلام في غمرة الحديث عن انسحابات إسرائيلية ممكنة يشير بدقة الى ان البعد المائـي لحروب إسرائيل ضد لبنان غير مشمول بالنيّة لمغادرة لبنان، مما يعني ان تفسير حديث المسؤولين الإسرائيليين عن الإنسحاب يعني بأنه إنسحاب عسكري صوري عن الأرض، وليس عن باطنها وثرواتها المائية، ولا من حرمة الأجواء اللبنانية ولا من مياهنا الإقليمية.
 

فعن أي انسحاب يتحدثون إذن؟ ولماذا يصبح كلام الإنسحاب كأنه الحقيقة الشرق أوسطية الوحيدة التي تحتاج الى التصفيق والضمانات، والقوات من هنا وهناك، فيما صرفت إسرائيل ما يزيد على واحدٍ وعشرين عاماً وهي تعرقل تطبيق القرار 425 الصادر عن أعلى سلطة دولية، وفيما تنتظر قوات اليونيفل كل تلك السنوات تنفيذ مهمتها.
 

إننا نعبر عن أسفنا إنه وفي الوقت الذي تلاحق فيه وسائل الإعلام صورة حركة باراك الدبلوماسية تغيب عنها صورة المأساة الواقعة على مساحة العـدوان الإسرائيلي اليومي ضد لبنان، والتي تقلّد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في استخدام إستراتيجية "التاسك فورس" الجوية والبرية لإخضاع بعض السياسات على مساحة المعمورة.
 

إنّ وسائل الإعلام العالمية تسجّل الغارات الأميركية ـ البريطانية التي تقع على العراق وشعبه وتتجاهل ما يجري في لبنان...
 

إننا اذ نوجه دعوة مفتوحة لمراسلي وسائل الإعلام العالمية وفي الطليعة الأميركية والإنكليزية، نود ان يسجل هذه الوقائع :
فمنذ إنتخاب باراك رئيساً لحكومة إسرائيل شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية مئتين وسبعة وتسعين غارة، وضربت المدفعية الإسرائيلية المناطق اللبنانيـة المحررة بأربعة عشر ألف قذيفة حتى مطلع الأسبوع الحالي مما أسفر عن سقوط تسعة وعشرين شهيداً ومئة وعشر جرحى لبنانييـن، وأسفرت كرة النار الجوية والبريّة الإسرائيلية عن تدمير ثمانية وعشرين منزلاً، وتضرر ثلاثماية وثمانين وحدة سكنية أخرى، وست مدارس وأربعة مساجد، واحتراق آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون والأشجار المثمرة.
 

إنني هنا أسجل تقديري لوكالة الصحافة الفرنسية لتوثيقها وقائع الحرب الجوية الإسرائيلية ضد لبنان، والتي ثبتت في إحصائية لها ان لبنان وحتى التاسـع عشـر من أيلول المنصرم عاش هذا العام مئة يوم ويوم جوي مـن أصل مئتين وتسـعة وخمسين يوماً من أيام العام 1999، أمّا على مستوى الإعتداءات البرية فحدّث ولا حرج.
 

إنّ إسرائيل تحاولُ ضبط إيقاع الحياة اليومية للبنان عبر جنوبه وبقاعه الغربي وفقاً لحركة سلاحها الجوي.
 

إنّ ما تقدم لا يشكل وحده صورة المشهد الدموي الإسرائيلي، ففي المناطق اللبنانية التي تحتلها إسرائيل واصلت قواتها عمليات الدهم والحصار والإعتقـال والإبعاد المخالفة لأبسط قواعد القانون الدولي، حيث اعتقلت خلال الأشهر الأربعة المنصرمة ثلاثة وستين مواطناً وأبعدت أربع نساء ورجلاً وتسعة أطفال.
 

إنّ إسرائيل خلال اعتداءاتها لم تتورّع عن استعمال القنابل الإنشـطارية والقذائف المسمارية المحرّمة دولياً، علماً ان هذه الإعتداءات ترافقت مع استمرار الحصار البحري الإسرائيلي للساحل الجنوبي ومنع الصيادين من تحصيل قوتهم اليومي، وكذلك مع استمرار سرقة التربة اللبنانية من سهل الدرداره ومرج الخيام.
 

انه وبعد هذه الصورة المريرة المدمّرة للحركة العسكرية الإسرائيلية في لبنـان، نرى ان حديث الإنسحاب والسلام الإسرائيلي الذي رافق صعود باراك هو مجرّد ديكور لتلميع المستوى السياسي الإسرائيلي الذي لا يختلف عما قبله في الممارسة.
 

ومن جهّتنا، فإننا نجدّد القول ان السلام حاجة لبنانية وحاجة سـورية وحاجة عربيـة، ولكن ليس أي سلام، وليست أية تسوية، وطي الملفات التي أدت الى تأجيج صراع الشرق الأوسط، وفي الطليعة ملف اللاجئين، ومحأوّلُة توطين او لفلفة هذه الملفات أمر سيؤدي وفي كل لحظة سياسية الى إعادة نبش الماضي وتفجير الصراع.
 

إنّ السلام يجب ان يكون عادلاً وشاملاً، وكل انسحاب إسرائيلي يجب ان يكون كاملاً حتى الحدود الدولية مطبقـاً لجوهر وروح القرارات الدولية.
 

إننا في لبنان نجدّد تمسّكنا بوحدة المسارين ووحدة المصير المشترك مع سوريا خصوصاً تجاه عملية صنع وبناء السلام الإقليمي، وعليه فإننا نؤكّد على إسـتئناف المفاوضات من حيث توقفت وبالتأكيد على عدم المساس بحدود البلدين وحقوق البلدين في السيادة على أرضهما.
 

أيّها الأعزاء،
 

على المستوى الداخلي، فإنني ألمس يوماً بعد يوم ان اللبنانيين بكل فئاتهـم وانتماءاتهم يثبتون انحيازهم وتصميمهم على تقوية مشروع الدولة وعلى زيادة ثقتهم بها.
واقول انه وبالرغم من الإثارة التي ترافق العناوين التي تثار سواء على مستوى الملفات او التصريحات، فإن الجميع في موقع السلطة او المعارضة يجب أن يتصرّف بحكمة ومن منطلق مواجهة التحديات المفروضة على الوطن إنطلاقاً من جنوبه ومن احترام القوانين المرعية الإجراء، وحدود السلطة وكذلك حدود المعارضة التي يجب ان لا تمس الثقة بلبنان كياناً ومؤسسات.
 

إنَّ إصلاح الإدارة، ودور القضاء واستقلاليته، وفصل السلطات، والصلاحيات والحريات وقانون الإنتخابات والطائفية والتنصت، وسوى ذلك من عناوين رافقت نشوء الدولة في لبنان وكانت دائماً مدار أخذ وردّ وموالاة ومعارضة.
 

إنّ الأساس هو قدرتنا على الحوار وتقبّل آراء بعضنا البعض، ومشاركتنا جميعاً في صناعة القوانين واحترامها، وإدارة خلافاتنا بالوسائل الحضارية التي يُبيحها النظام البرلماني الديموقراطي الذي نؤمن به.
 

إنَّ ذلك يُشكّل أساس الإنصهار الوطني وبقاء لبنان.
 

عشتم
عاش لبنان

 


أعلى الصفحة | اتصل بنا |

حقوق الطبع محفوظة 2003 ©

أنجز هذا الموقع الفريق الفني في مصلحة المعلوماتية - مجلس النواب اللبناني