افتتح
رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي مبنى ثانوية شحور الرسمية وخزان المياه وشبكة
مياه البلدة التي أنجزها مجلس الجنوب السبت 6/ 11 /1999 في بلدة شحور ـ قضاء صور.
وأُقيم في المناسبة احتفال خطابي في مبنى الثانوية بحضور الرئيس برّي والنواب علي
الخليل، عبد اللطيف الزين، محمد عبد الحميد بيضون، وأيّوب حميّد، سمير عازار،
سليمان كنعان، علي خريس، ياسين جابر وعبدالله قصير، ورئيس مجلس الجنوب المحامي
قبلان قبلان، ومدير عام مجلس الجنوب هاشم حيدر، وممثلين عن قوات الطوارىء الدولية،
ورؤساء بلديات وحشد تربوي وشعبي.
إستهل الإحتفال بالنشيد الوطني اللبناني، ثم تحدث
رئيس بلدية شحور كامل فارس مرحباً بالرئيس برّي وشاكراً المشاريع التي يرعاها
وينجزها مجلس الجنوب.
وكانت كلمة لرئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان.
وبعد ذلك، ألقى الرئيس برّي الكلمة الآتية :
دائمـا"، حين كان الشرق يقع على حزمة الحزن ويذهب
الى النعاس، ويوصد بابه المفقود، كانت بلدة عصية لا تطفأ عيناها وتستمر تحدق الى
السماء، وتمد يدها الى لغة القرآن العربية، وتعبر الطرقات بلا ظل نحو المقاومة.
ودائما" حين كان الشرق يصبح ضنينا" بالشعر مولعا"
بالترف، غنيا" بالموت ومثقلا" بالصمت، يفصح النهرعن حكمتنا ويفتح اعراس المياه على
ضفة النهر، وتبدأ قيامتنا من ذلك المكان : البلدة العصية نفسها.
في ذلك المكان اجتمع اعيان جبل عامل عام 1783
وتداولوا في امر بلادهم وما اصابها من بلاء واوجزوا فرددوا :
اذا جئت القرى القيت فيها |
|
|
وطيس الجور يتقد اتقاداً |
تبيت على الطوى غرثى وتمسي |
|
|
بلا رمق فتكتمل السهاد |
فحتى م السكوت وقد غدونا |
|
|
على الغبراء نفترش القنادا |
وهذه نار عسف الترك حاقت |
|
|
بنا طراً فأصبحنا رمادا |
فمن للخيل يملؤها صهيلاً |
|
|
ومن للحرب يعركها جلادا |
اذن في ذلك العام 1783 اجتمع اعيان جبل عامل في شحور
وقر رأيهم على قتال احمد باشا الجزار الذي ارهق البلاد والعباد.
وفي المكان شحور اقام امام جبل عامل المقدس السر
العلامة السيد عبد الحسين شرف الـدين الذي رفض ان تساق البلاد الى فتنة بين
الطوائف، وسعى لتوجيه المقاومين مطلع هذا القرن نحو الانتدابيين الذين ارهقوا
البلاد والعباد شأنهم شأن الجزار.
الجزار حاول قتل روح الثورة في جبل عامل فلم يوفق، فأنتقم بتحويل مكتبات جبل عامل
الى وقود لافران عكا.
وبعده حاول الانتدابيون قتل روح الثورة في نفس الجبل
فلم يفلحوا وانتقموا باحراق مكتبة جبل عامل، ثم جاء الامام القائد السيد موسى الصدر
واصله يرجع الى ذات المكان " شحور "، فحول الحرمان من حالة الى حركة نابضة بالحياة
واشعل جذوة المقاومة.
انتم يا اخوتي الثوار مثل موج البحر متى توقفتم انتهيتم .
اذن للمكان الذي انحدر منه صاحب العرفان الشيخ احمد
عارف الزين وجمع كنوز معارفه فيها المرجع العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين
والمكان الذي انتسب اليه قائد مسيرتنا الامام الصدر لهذا المكان : شحور عاصمة
الكتاب نهدي اليوم هذا الصرح التربوي.
ايها الاعزاء
ازاء عشرات المؤسسات التربوية التي انشأها مجلس
الجنوب او زاد على مساحتها او رممها قد يطرح سؤال : لماذا التركيز على انشاء
المؤسسات التعليمية في هـذه المنطقة، وهـل مرد ذلك الى جوع قديم للمدرسة ؟
الجواب : نعم، فالجنوب كل الجنوب مدنا" وبلدات وقرى
كان محروما" على المستوى التربوي وعلى مستوى الخدمات، وعلى كل مستوى خصوصاً المستوى
الصحي، وطبعا" هذا الامر مستمر ولا اشك للحظة واحدة ان فخامة الرئيس العماد اميل
لحود ولا دولة رئيس الحكومة يقبلان بوجود ابنية لخمس مستشفيات اضافة الى عدد كبير
من المراكز الصحية في المنطقة المحتلة دون تجهيزات، ودون وضعها بتصرف المواطنين،لان
ذلك لا يخدم سوى ما يسمى سياسة الجوار الطيب التي اتبعتها اسرائيل.
ولكن، ليس الجوع القديم الى المدرسة والى الدولة
وحضورها ليس هو السبب فحسب، بل السبب هو توفير الشروط الضرورية للمواطنين من اجل
البقاء في ارضهم.
فأهل الجنوب ومثلهم اهلنا في البقاع الغربي ملوا
الخطابات التي ارهقتهم طيلة عقود سابقة حول الصمود والتشبث بالارض، دون ان يكون
للخطاب أي معنى يتصل بالمطلب باستثناء بعض مبادرات خجولة تطوعية قام بها بعض الشباب
لبناء ملجأ هنا او هناك، كما ان اهل الجنوب فقدوا ثقتهم بالدولة السابقة واركانها،
حيث لم ينفذ وعد ولم يستحدث مشروع، وكان مجلس الجنوب في عهدهم حائطاً لذرف دموع
التماسيح على الضحايا من اهلنا وممتلكاتهم.
وهكذا فإن هذا الصرح التربوي في شحور هو حلقة في
سلسلة ستستكمل لتغطي المدرسة الرسمية كل مساحات الصمود وكذلك مشاريع استخراج مياه
الشفة واقامة الخزانات ومد شبكات المياه والكهرباء وانشاء البنى التحتية وشبكات
صحية وتوفير اوسع شبكة للمواصلات واقامة الجسور ووو .... الى آخر ما هو مطلوب
لتوفير الصمود.
قد يشعر احد مما اقول اننا كأننا على ابواب حرب
وشيكة. اقول لمن يتملكهم هذا الشعور وللذين يملكون حساً سياسياً تجاه هذه المرحلة
الدقيقة، وتجاه من يملكون حساً متفوقاً بالوقت، اقول لهم جميعاً واقول لأهلي في
الجنوب اننا امام اخطر مرحلة في تاريخ الشرق الاوسط ولبنان والجنوب خصوصا". وان ما
يجري في الواقع استكمال لحروب اسرائيل المستمرة ضد لبنان والتي اتخذت مؤخراً" تاسك
فورس جوية " انتجت الكثير من الموت والدمار.
لقد كنت اول من عبر عن هواجسه ومخاوفه من نتائج انتخاب باراك رئيسا" لحكومة اسرائيل
خلال اجتماع دمشق لمجلس اتحاد البرلمان العربي بتاريخ 27 ـ 29 حزيران المنصرم وقبل
ذلك خلال مؤتمر البرلمانات الاسلامية في طهران، يومها قال البعض انني اسبح عكس تيار
التفاؤل، وانني لا ادقق في التحولات، وكنت اضع على طاولة كل مسؤول معني بصورة
الحركة في المنطقة وبمستقبل عملية السلام وثيقتين :
الاولى : برنامج باراك الانتخابي
الثانية : دراسة اعدها احد العسكريين الاسرائيليين المتخصصين حول لبنان بعنوان :
"النسر مقابل الثعبان ".
واكتشفت اننا جميعا" سليمو النية، واننا نكاد نصدق
ان باراك نبي السلام وكاد الجميع يصاب بالصدمة بعد الاطلاع الدقيق على الوثيقتين،
حيث لم تكن الحرب الجوية ضد لبنان قد اتخذت بعد صفة "التاسك فورس"، وكان الجميع
يريد ان يصدق ان لاءات باراك مجرد لاءات تفاوضية، وكنا نقول للجميع ان برنامجه
الانتخابي يعبر عن حقيقته.
اليوم اقول وقد قلت ذلك في بيروت بالامس وقلت ذلك في
وارسو وفي صوفيا : ان الارادة الدولية تعكس رغبة في تحقيق السلام في الشرق الاوسط،
وان العرب جميعا" وفي الطليعة لبنان وسوريا لديهم مصلحة استثنائية في السلام، ولكن
السلام لا يمكن ان يتحقق من طرف واحد وعلى حساب طرف واحد.
ان هذا السلام يجب ان يكون متوازانا" وموازيا"
وشاملا " وعادلا"، والوقائع الثابتة عن العمليات الاستيطانية واستمرار تهويد مدينة
القدس، والايحـاء بعمـق محدود للانسحـاب من الجولان، وتصاعد وتيـرة العـدوان
الاسرائيلي ضد لبنان المترافق مع دبلوماسية وقائية تتبعها اسرائيل بعنوان الانسحاب،
- كل هذه الوقائع - الى جانب المماطلة والتسويق وعملية كسب الوقت التي يتبعها باراك
وحكومته، تشير الى ان اسرائيل تنتظر اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية
لتتمكن من ابتزاز المرشحين والادارة الاميركية للحصول على المزيد من الاسلحة
والاموال وتقييد الموقف الاميركي.
وفي كل الحالات فإن الاشهر الثلاثة او الاربعة
القادمة ستظهر مدى مصداقية باراك ورهان من راهنوا عليه، فإذا كانت اسرائيل تحدوها
الرغبة الحقيقية للسلام فإن استئناف عملية السلام ومحادثاتها على المسار اللبناني ـ
السوري لا يحتاج سوى إلى اعلان اسرائيل بالالتزام بالقرار 425 ووضع آليات لتنفيذه،
والاقرار بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1968 على جبهة الجولان، وعندئذ
لن يكون هناك عائق امام تحقيق انطلاقة سريعة لانجاز ما تبقى من جوانب السلام.
انني اعبر عن مخاوفي وهواجسي مجدداً من ان ما اراه
والمسه هو ان اسرائيل ستستمر بمحاولات اللعب بعناصر السلام، وخصوصاً مسألة الانسحاب
الشامل من الاراضي المحتلة وقضيتا اللاجئين والقدس وهو الامر الذي يتطلب الحذر
والانتباه الى ان اسرائيل ستواصل حروبها ضد لبنان، وجعل مدنه وبلداته وقراه حقل
رماية بالذخيرة القاتلة لاسلحتها المتنوعة، خصوصاً الجوية للضغط على بلدنا
ومقاومتنا وعلى علاقة المصير المشترك مع سوريا.
انني على المستوى الوطني اقول : اولا" ان تكون
الموازنة الجديدة قد لحظت تركيز الاعتمادات اللازمة لتعزيز صمود شعبنا وتوفير اسباب
هذه الصمود، الذي يشكل عنصر المقاومة الاول ثانيا" : النظر باقرار التعويضات على
المفروشات والمزروعات ووسائل النقل.
اما على المستوى القومي فإنني ارى ان المرحلة
الحالية تتطلب العلاقات العربية - العربية وزيادة التنسيق والتنبه الى ان اسرائيل
التي ارتكبت مجزرة دير ياسين قبل واحد وخمسين عاما" لا تزال محكومة بنفس المتسوى
السياسي، الذي ينطلق من شريعة قتل الاغيار، ويريد ان يحكم المنطقة بشروط الامن
الاسرائيلي وبشروط مشروع اسرائيل الذي عقد على حساب الماضي والحاضر والمسقبل.
ايها الاعزاء
ان اللقاء اليوم في الجنوب فرصة للترحيب باطلاق
البرنامج الايطالي لمساعدة جنوب لبنان، وبالخطوط العريضة التي يشتمل عليها البرنامج
على الصعد الاجتماعية والانسانية والزراعية والثقافية والاقتصادية، وهذه المبادرة
الايطالية ليست الاولى، فنحن لن ننسى زيارة الرئيس الايطالي للبنان والجنوب خاصة
والمعاني النبيلة لهذه الزيارة، ولن ننسى ان ايطاليا تسهم بعدد من المشروعات
الحيوية على ارض الجنوب.
كما اننا نرحب بالمؤتمر الذي عقد في الاسكوا وغاياته
تحت عنوان : اطلاق استراتيجية التنمية المناطقية لجنوب لبنان "، والممول من
الحكومات الهولندية والايرلندية واللبنانية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي.
ايها الاعزاء
انني اذ اثمن عاليا" باسمكم جميعا" يد مجلس الجنوب
البيضاء في ايام الجنوب السوداء، فإنني اجدد توجه عناية وزارات ومؤسسات الدولة الى
التزامانها تجاه هذه المنطقة والى الاعتمادات المقررة والمدودة لهذه المنطقة منذ
اربعة عقود الى اليوم.
ان الجنوب الذي يدفع عن الوطن ضريبة الصمود
والمقاومة اليوم هو الجنوب الذي سيجذب الاضواء غدا" الى كنوزه وتراثه الانساني
وثرواته وموارده غدا" وسيشكل ضمانه لنهوض اقتصاد لبنان.
عشتم
وعاش لبنان
بعدها، أزاح الرئيس برّي الستار عن لوحة تذكارية
مدشناً بذلك مبنى المدرسة الثانوية الرسمية. ثم كانت له
جولة على أقسام المبنى الجديد.