كلمة الرئيس نبيه بري
في
الندوة العامة للتنمية الزراعية في المجلس النيابي
من دواعي سروري ان توسع اللجان النيابية اهتماماتها،
لتتجاوز حدود مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المحالة اليها، في اطار فتح نقاش
حول السياسات العامة، او للمساهمة في رسم السياسات العامة للدولة في مختلف القطاعات
والاتجاهات، بالتعاون مع الوزارات والادارات الحكومية المختصة ومع الاتحادات
والنقابات والهيئات الممثلة لتلك القطاعات، وايضا" مع المنظمات غير الحكومية
العاملة في تلك القطاعات والاستعانة بالخبراء والباحثين وايضا" بالجامعة اللبنانية
والجامعات الخاصة، وبالتعـاون مع المنظمات الاقليمية والدولية المختصة .
ومنذ تجديد الحياة النيابية في لبنان عام1992 وحتى
اليوم، اطلقنا عدة انشطة هدفت الى تطوير ثقافة وعمل الادارات الرسمية والنقابات
والمنظمات الشعبية والاهلية لتعزيز مشاركتها في رسم السياسات العامة، ارتكازا" على
نظرية نؤمن بها، ومفادها ان السياسات العامة هي منظومات يسعى المجتمع عبرها الى
ادارة الشأن العام وتعزيز المصلحة العامة .
ولأننا نريد ان يأخذ رسم السياسات العامة للدولة في
مختلف المجالات الداخلية المعطيات الاساسية للبلاد عبر مسوحات جغرافية، اجتماعية
اقتصادية حديثة ودراسة ديناميتها وقواعد تطورها،
ولأننا نريد لهذه السياسات العامة ان تولد نتيجة
نقاش ناضج بين جميع العناصر الضرورية حيال كل موضوع محدد، يؤدي الى توافق يعبر عن
ان هذه السياسات العامة توفر مصلحة المجتمع والدولة .
فإن المجلس النيابي سعى بداية تنفيذا" لاحكام اتفاق الطائف الى تشريع المجلس
الاقتصادي والاجتماعي.
ومن ثم اسسنا لعلاقة مفتوحة بين المجلس النيابي ومؤسسات المجتمع المدني الاهلية
لجملة اسباب ابرزها :
أ - التماس اتجاهات الرأي العام والمناخ الشعبي
والمتطلبات الحيوية للمجتمع .
ب - لأن هذه المؤسسات او الجمعيات هي التي شكلت جسر تواصل مع اشد المناطق فقرا"
وحرمانا"، ولأنها سبرت نمو المتطلبات .
وقد عبر عن هذه العلاقة انشاء منتدى الحوار
البرلماني الذي نأمل ان يطلق برنامجه وفعالياته المرجوه قريبا" .
لقد تشارك المجلس النيابي مع منظمات دولية ( منظمات الامم المتحدة ) واقليمية او
جهوية (الاتحاد البرلماني العربي- مجلس النواب الفرنكوفوني ) ومحلية الجامعة
اللبنانية ملتقى الهيئات الانسانية والمؤسسة اللبنانية للتدريب، ومع مراكز برلمانية
دولية منها المركز التشريعي لجامعة الباني، وهذه الشراكة قامت بجملة ورش عمل في
اطار التربية علىالديموقراطية وتعزيز مشاركة المواطن في كل ما ينتج حياة المجتمع
والدولة .
ونحن في المجلس النيابي الجديد واستمرارا" لذلك نركز
على اتجاهين :
الاول : المسار البحثي والمعلوماتي الذي من شأنه ان
يعزز معرفة النائب بمشاريع واقتراحات القوانين التي تطرح عليه .
الثاني : افساح المجال امام القطاعات المهنية والشعبية المعنية بكل مشروع او اقتراح
لتقديم رأيها وفتح باب الحوار معها .
الثالث : تشجيع الافراد وكل العناوين المعبرة عن القوى السياسية الحية والنابضة،
ومؤسسات الرأي العام الثقافية والاعلامية والنقابات والمنظمات الاهلية والشعبية،
للمشاركة في نقاش السياسات العامة وصنع القرار بالتكامل مع السلطتين التشريعية
والتنفيذية .
والمجلس النيابي اللبناني وفور انجاز انتخاب رئيسه
وهئية مكتبه ولجانه، كانت مبادرته الاولى عقد ندوة بالتعاون مع برنامج الامم
المتحدة undp حول الانماء في عكار .
واليوم وبناء على مبادرة لجنة الزراعة والسياحة النيابية وهمة رئيسها الزميل حسين
الحاج حسن وبدعم لوجستي مشكور من undp، تنعقد هذه الندوة حول تنمية القطاع الزراعي
في لبنان التي نأمل ان تسهم مع ندوات متخصصة مماثلة في رسم سياسة زراعية في لبنان .
الحضور الكريم
ربما كان من المخجل ان نورد الارقام المخصصة في
الموازانات العامة لقطاع الانتاج الزراعي في لبنان .
الا ان المبدأ الاول للشفافية هو ان تكون السياسات العامة معلنة وواضحة .
لذلك لا بد من الاعتراف امام الرأي العام اللبناني ان كل العهود المتعاقبة منذ
الاستقلال الىاليوم، عملت على هدم كل محاولة للنهوض بالقطاع الزراعي في لبنان مع
استثناءات او ( همروجات ) كانت ترافق اطلاق عناوين تتصل بتطوير هذا القطاع، ومحاولة
خجولة عام 1993 لوضع تصور عام وملامح رئيسية للسياسة الزراعية المرتقبة في لبنان .
الا ان هذه المحاولة انكفأت على المستوى التخطيطي
والتنفيذي وتحولت احلام استصلاح بضع مئات الهكتارات من الاراضي، وشق طرقات زراعية
بمعدل 100 كلم في السنة، نحو تفسير تلك الاحلام الى كوابيس .
الا ان هناك بشارة لاحت في الافق هي انجاز دراسة بمساعدة كويتية لاطلاق المرحلة
الاولى من مشروع الليطاني .
وقد حملت معي كما فعل دولة رئيس الحكومة هذا المخطط الى دولة الكويت الشقيقة من اجل
المساهمة في تنفيذه
ومن نافل القول اننا لا نكتشف مشروع الليطاني اليوم، فلم يعد خافيا" على احد ان
كبير المهندسين العرب ابراهيم عبد العال كان قد اعد دراسات وابحاثا" وخرائط حول
الليطاني، واكد دائما" ان الاستثمار على هذا النهر مائيا" وكهربائيا" وزراعيا"
سيؤدي الى انتعاش لبنان وذهب ابراهيم عبد العال شهيد الليطاني، واغلقت الملفات على
حلمه، الى ان انتصرت المقاومة اليوم واصبحنا نستيطع القول بالفم الملآن : اننا لسنا
خائفين من اسرائيل، ونحن سنتثمر هذا النهر الذي ينبع من لبنان ويجري في الاراضي
اللبنانية ويصب في الشاطىء اللبناني .
ايها السادة
حتى اشعار آخر لا يمكن للحكومة اللبنانية الا ان
تستمر في دعم الانتاج الوطني من القمح والشمندر السكري والتبغ، الا ان الاكلاف التي
تقع على الخزينة يمكن ان تعوض بسياسة ضريبية مدروسة على التبوغ المستوردة، واقول
ذلك حتى لا تتكرر تجربة الحكومة السابقة في هذا المجال .
الا ان المطلوب ونحن نعقد هذه الندوة حول تنمية
القطاع الزراعي في لبنان ان نحث الحكومة مدعومين بدراسات جدوى اقتصادية، لتقرير
سياسة انمائية في ري الاراضي واستصلاحها، وشق الطرق الزراعية والتحريج، وتطوير
الثروة السمكية وتدعيم برنامج الارشاد الزراعي والتعليم والبحث العلمي الزراعي،
وانشاء التعاونيات الزراعية وتطوير مشاريع التسليف الزراعي، بالترافق مع سياسة
لحماية الانتاج الوطني الزراعي وفتح اسواق امام الانتاج الزراعي اللبناني .
انني اوجه عناية المشاركين في هذه الندوة والحكومة
والوزارة المختصة لمواجهة كساد المواسم وانخفاض سعر السلع المنتجة محليا"، حيث ان
الاولويات الضرورية سواء في اطار اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول
العربية وفي اطار التقيد بمضمون احكام اتفاقية التجارة العالمية يجب ان وتأخذ بعين
الاعتبار علىالمستوى العربي توزيع الاختصاصات في المجال الزراعي، بحيث تهتم كل دولة
عربية بما يمكن انتاجه استنادا" الى طبيعة ارضها ومناخها، واذا كانت بعض الدول
العربية تتشابه في انتاج بعض السلع الزراعية، فيمكن وضع اتفاقيات مع بقية الدول
العربية من اجل تصريف الانتاج حسب الحاجة، ومن الممكن دعم بعض السلع الزراعية
عربيا" من اجل تمكينها من المنافسة في اسواق اوروبا والعالم .
اقول ذلك لأن لبنان الذي يحترم انضمامه الىمجموعته
العربية في اطار كل الاتفاقيات، خصوصا" بقصد الوصول الى سوق عربيـة مشتركة، والى
منطقة تجارية عربية كبرى، سارع الى الغاء روزنامته الزراعية مما عكس نفسه
علىالمزارعين وقوة عملهم وانتاجهم، وادى في احيان كثيرة الى خفض سعر بيع السلع بما
لا يساوي كلفة الانتاج، كما ادى احيانا" الى كساد المواسم .
ان الاتحادات ونقابات المزارعين تطرح تساؤلا" حول
تطبيق احكام الاتفاقيات الزراعية مع دول عربية شقيقة في طليعتها مصر والاردن، والى
دقة مراعاة واقع الحال وكمية الانتاج ونسبة الفائض والحاجة والى تطبيق الوسائل
الناجمة في حماية الزراعة اللبنانية من المضاربة، كإستبدال اجازات الاستيراد
المسبقة والقيود الادارية المانعة والمحددة للكميات، وتوقيع الرسوم الجمركية التي
من شأنها تأمين وضمان حماية الانتاج الوطني من المنافسة والمضاربة الاجنبية .
كما ان تلك الاتحادات والنقابات تتساءل عن مبادرات
الوزارة المختصة والحكومة بل والحكومات السابقة في العمل على الاسواق التي خسرها
لبنان خصوصا" الكثير من الدول العربية .
ايها السادة
من المفيد تذكير العالم من على منبر المجلس النيابي
بان لبنان بات نظيفا" من الزراعات الممنوعة .
ومن المفيد تذكير العالم بأنه اهتم بالشق البوليسي من هذه المسألة، دون ان يتم
التأسيس عمليا" لزرعات بديلة، وجرى صرف مبالغ كبيرة على ما سمي برنامج معروضات
الزراعة دون ان يعكس اي حسنات بل على العكس ادى الى انعكاسات سلبية .
ايها السادة
انكم وخلال ندوتكم ستتعرضون بشكل مفتوح الى مشكلات
الزراعة في لبنان، ولكنني هنا سأركز على عدة مشكلات يعاني منها المزارع وهي موضع
شكوى دائمة هي :
1 ـ المشكلة السوقية والناتجة عن دور الوسيط والحسبة
بين المزارع والمواطن .
2 ـ تقلبات الاسعار والناتجة عن تحكم مافيا بالسوق
الزراعية، بحيث يؤدي هذا التقلـب الى ان اسعار مبيع المواسم لا توازي كلفـة الانتاج
.
3 ـ البون الشاسع بين مساهمة القطاع الزراعي في الناتج القومي الذي يصل الى 12
بالمئة في حين ان حصة هذا القطاع من التسليف هي 1.5 بالمئة .
4 ـ غياب المعلومات والترشيد الزراعي والتنسيق بين الخطط
والقدرات الزراعية، طبعا" بالاضافة الى عدم توافر بنى تحتية زراعية وشبكـة طرق
زراعية، بالاضافة الى زيادة المساحات المروية واستصلاحها .
وسأتجرأ من خلال مبدأ الشفافية الذي نرمي اليه من
خلال ندوتنا وصولا" الى سياسة زراعية في لبنان لأقول، ان سلطة التنفيذ في الوزارة
المختصة لا تتابع تنفيذ القرارات الصادرة عن الوزارة نفسها المتعلقة بتنظيم استيراد
الادوية والبذور وتحديد نسبة ارباح المستوردين .
كما اني وفي اطار معالجة مشكلة فتح اسواق للتصدير
اطـرح عنوانا" للمناقشة في ندوتكم وعلى الحكومة الكريمة، وهو دراسة الجدوى من تعيين
ملحقين زراعيين في عدد من السفارات، يكونون ملمين بموضوع تصريف الانتاج الزراعي
والكميات الجاهزة للتصدير واوقات الانتاج والاسعار، ومعرفة حاجـات البلدان التي
يمكن ان تستقبـل الانتـاج اللبناني .
ايها السادة
لقد اطلت عليكم ولكن العنوان الذي نحن بصدده اليوم
شيق وملح علىالمستوى الوطني، ويبقى ونظرا" للضرورات الوطنية التي يفرضها وضع
المنطقة الحدودية المحررة فإنني ادعو وبصورة عاجلة الى :
1 - انشاء مراكز ترشيد زراعي ومشاتل زراعية
2 - تأهيل برك تجميع المياه الموجودة في البلدات الحدودية .
3 - تنشيط عمليات استصلاح الاراضي من قبل المشروع الاخضر .
4 - تنفيذ مشروعات الطرق الزراعية الضرورية .
5 - انشاء مشروع لنشر الزراعات العلفية .
6 - اعادة ترميم وتأهيل مركزي احراج مرجعيون وياطر
وانشاء مراكز احراج في حاصبيا وجزين وبنت جبيل .
ايها السادة
انني متأكد ان هذه الندوة ستسهم دون شك في رسم
وتخطيط سياسة زراعية وفي زيادة الاستثمار على الزراعة بما يشكل قوة لاسواق العمل
والانتاج ويعزز الناتج القومي للبنان .
عشتم
عاش لبنان
|