يشكل
القرار رقم 1559 (2004) الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في جلسته 5028 المعقودة في 2
أيلول (سبتمبر) 2004 بناء على مشروع تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا
قرارا" في غير محله وقرارا" مستغربا" ومستهجنا" كونه يتعلق :
1 –
بمسألة سيادية داخلية تتصل بالاستحقاق الرئاسي
2 –
العلاقات اللبنانية – السورية
في
المسألة الأولى
:
إن
هذا القرار يشكل تدخلا" سياسيا" بكل معنى الكلمة في الشؤون اللبنانية ولا يستند على
أية مبررات أو مسوغات تشكل انتهاكا" للدستور أو القانون الوطني أو القانون الدولي .
فقد
مرّ لبنان خلال سنوات طويلة 1975 – 1990 بمرحلة قاسية من الاضطراب السياسي والأمني
سببه تقاطع المصالح الدولية، مع الاختلافات الداخلية بين اللبنانيين حول طبيعة
النظام السياسي. وقد كان للمبادرات الأخوية العربية وعلى رأسها الشقيقة سوريا اثر
كبير في وضع حد للخلافات اللبنانية فعقد مؤتمر الطائف، وتم الاتفاق على صيغ وفاقية
بين النواب اللبنانيين، وعدل الدستور، وأنهيت حركات التمرد الداخلية، واستقام الوضع
اللبناني دستوريا" وقانونيا" وتمت الانتخابات النيابية بشكل ديمقراطي تمثلت فيها
مختلف شرائح الشعب اللبناني شعبيا" ومناطقيا" واتجاهات ومحاور سياسية .
وكان
أن انتهت ولاية رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة
1995 فاجتمع مجلس النواب وعدل الدستور لجهة تمديد ولاية الرئيس فترة ثلاث سنوات
إضافية . وقد مرّ هذا التعديل بشكل هادئ لم ترافقه أي ضجة دولية فسارعت الدول
الغربية إلى الترحيب بهذا التعديل وتسابقت لتقديم تهانيها للرئيس الممدد له مقرّة
أن ذلك هو شأن لبناني داخلي ولا علاقة للدول الخارجية به .
وفي
سنة 1998 وعند انتهاء فترة الثلاث سنوات اجتمع مجلس النواب، وعدّل الدستور لجهة
السماح لقائد الجيش آنذاك العماد اميل لحود لكي يصار
إلى
انتخابه رئيسا" للجمهورية ، واستعاد لبنان مركزه الدولي ، وكان محور اجتماعات دولية
أجنبية وعربية منها قمة الفرنكوفون والقمة العربية، كما شهد عهد الرئيس لحود تحرير
الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي باستثناء بعض تلال كفر شوبا ومزارع شبعا وقد كان
للدعم السوري وتأييد الحكم اللبناني للمقاومة الوطنية أثرهما المطلق في تحرير
الجنوب اللبناني من الاحتلال .
وصادف
موعد انتهاء ولاية الرئيس لحود ، وضعا" استثنائيا" حرجا" تمر به منطقة الشرق الأوسط
سواء في فلسطين ام في العراق ، مع ما يرافق ذلك من تعنت إسرائيلي في قمع
الفلسطينيين في داخل فلسطين ، وإصرار على سياسة توطينهم حيث هم ، ونتيجة الوضع
الدولي العاجز عن معالجة قضايا المنطقة ، واستباقا" لمخاطر قد تنجم عن تمادي النظام
الأحادي الذي يفرض إرادته على العالم شعرت الأكثرية النيابية بضرورة تعديل الدستور
وتمديد ولاية الرئيس الحالي لمدة ثلاث سنوات تنتهي في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة
2007.
لقد
نص الدستور اللبناني على آلية تعديله بحيث انه يحتاج إلى أكثرية الثلثين من مجموع
أعضاء المجلس النيابي . وقد جاء التعديل المتعلق بتمديد ولاية الرئيس لحود لمدة
ثلاث سنوات من ضمن الآلية القانونية لما نص عليه الدستور . وقد زادت نسبة الذين
صوتوا على التعديل بمعدل عشرة نواب عما هو مطلوب قانونا" . وهذا الأمر معترف به من
الجميع وتشهد عليه كل وسائل الإعلام التي غطت وقائع هذه الجلسة التاريخية .
إن
التعديل الدستوري الذي اقره المجلس النيابي في جلسة 3 أيلول (سبتمبر) سنة 2004
والذي مدد بموجبه ولاية الرئيس لحود لثلاث سنوات ، هو نفسه التعديل الدستوري الذي
اقره المجلس النيابي في جلسة 19 تشرين الأول (اكتوبر) سنة 1995 والذي مدد بموجبه
ولاية الرئيس الياس الهراوي لثلاث سنوات إضافية ، وليس هناك من فارق بين أي من
التعديلين فكلاهما تمّا في ظروف سياسية متشابهة محليا" ودوليا" ، فضلا" عن الناحية
القانونية والدستورية التي رافقت كل منهما . فالمجلس النيابي الذي يمثل مختلف فئات
الشعب اللبناني هو سيد نفسه ويستطيع أن يمارس المهام الموكلة إليه تشريعيا"
وانتخابيا" وسياسيا" ورقابيا" من ضمن النصوص التي نص عليها الدستور نفسه.
في
العلاقات اللبنانية ـ السورية
إن
قرار مجلس الأمن الدولي يخفي نوايا سياسية لبعض الدول لا تتناسب مع واقع الأمر ولا
مع مصالح لبنان أو مع الضرورة الوطنية في تحسين علاقته مع سوريا ، وتحصين مستوى
الممارسة الديموقراطية فيه ومثل هذا التدخل وهذا القرار يهدد بأن يؤدي إلى خلق
مناخات من عدم الاستقرار قد تعرض لبنان إلى أخطار جسيمة، متجاهلة ما يحققه التنسيق
اللبناني ـ السوري والأمني من استقرار وهدوء ومن ضبط لكل ما يهدد أمن لبنان من
مخاطر.
إن
هذا القرار يخلط بين قضية العلاقة الشاملة والمميزة بين لبنان وسوريا وحاجة البلدين
إليها وسبل مقاربتها في إطار سيادة كل منهما، وبين بعض الاستحقاقات الداخلية
اللبنانية وآلية معالجتها وفق المعايير والمؤسسات الدستورية .
ان
هذا القرار يتعاطى مع حقوق الدولة اللبنانية السيادية سواء من جانبها الداخلي أو
علاقات المصالح المشتركة مع سوريا، على نحو لا يراعي تماماً القواعد والأعراف
المتبعة من السلوك الدولي.
إن
التعاون اللبناني السوري في كافة جوانبه وخاصة في الجانب الأمني يساهم في لجم ردود
الفعل المتطرفة والخائبة والناتجة عن استمرار سياسة التهجير واليأس التي تخلفها
أعمال الحكومة الإسرائيلية والتحالف بين لبنان وسورية ـ ومن ضمنه التعاون السياسي
والأمني والعسكري يسهم في تحقيق قدر من التوازن في وجه الضغوط والانتهاكات
والمخاطر اليومية الناجمة عن سياسة ترسيخ الاحتلال وإبقاء نزاع الشرق الأوسط في حال
مستمر من التوتر والانشغال، الذي تغلق من خلاله إسرائيل كل أبواب التعاطي السياسي
والحل العادل والشامل والمتوازن، استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة والمحققة
لدولة فلسطينية سيدة، ولاستعادة ما تبقى محتلاً من ارض لبنان وسورية وإحقاق حق
العودة للاجئين الفلسطينيين، وقد أضحت مخيماتهم مرتعا دائماً للمعاناة والخيبات
والظروف الإنسانية الصعبة.
السيد الرئيس،
إننا
نوجه عنايتكم إلى أن وجود قوات السورية في لبنان يرتبط باتفاق الطائف، وباتفاقات
ثنائية موقعة بين الدولتين السورية واللبنانية تهدف إلى تحقيق مصالحهما المشتركة
المتعددة التي يقرر البلدان وحدهما، ومعاً، مداها وحدودها وضروراتها وآلية تطويرها،
فيما تبقى موضوعات تداول السلطة في لبنان وممارسة الديمقراطية، وتعديل الدستور
والقوانين، شأناً داخلياً لبنانياً صرفاً تقرره مؤسساته المختلفة على قاعدة المصلحة
اللبنانية العامة والاعتبارات الوطنية.
إن
القول بأن سوريا تدعم منظمات راديكالية في لبنان، فيتنافى مع الدور الذي تمارسه في
تعزيز ودعم المؤسسات الأمنية الرسمية اللبنانية، وفي ضبط الأمن، مما يجعل لبنان
يعيش في حالة من الاستقرار والهدوء والتهدئة التي لا يعكرها سوى الانتهاكات
الإسرائيلية اليومية لحدود لبنان وأجوائه ومياهه . وتقارير الأمم المتحدة شاهد ناطق
مستمر على هذه الانتهاكات.
إن ما
يصفه القرار بالميليشيات هو في الحقيقة عناصر المقاومة الوطنية المشروعة للاحتلال
الإسرائيلي وهي لم تظهر في لبنان إلا نتيجة الاحتلال وستبقى طالما استمر الاحتلال
في الأراضي اللبنانية غير المحررة وبديهي أن لبنان يميز بين الإرهاب المدان والجاري
على الأراضي اللبنانية وفي العالم وبين حق المقاومة للاحتلال الذي تجيزه وتحترمه
جميع الشرائع الدولية.
إن المجلس النيابي اللبناني
يضع بين أيديكم هذه الحقائق من اجل أن تكون لكم معرفة وثيقة بأن ما حكم هذا القرار
هو مصالح بعض الدول لا المبادئ وان الدول المقصودة تحاول الاستثمار على الشرعية
الدولية في إطار مشروع مشترك للشرق الأوسط الكبير وفي إطار الحروب الهادفة للسيطرة
على الموارد الطبيعية والبشرية للمنطقة وخصوصاً في إطار خوض الحروب عن إسرائيل
بالوكالة وتصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين.