كلمة الرئيس نبيه بري في الاحتفال التكريمي التأبيني للبروفسور غندور


 

رعى رئيس مجلس النواب، الاستاذ نبيه بري، مساء الاثنين 3/ 5 /1999، في قاعة قصر الاونيسكو، الاحتفال التكريمي التأبيني للشهيد المرحوم البروفسور أسعد غندور بدعوة من اللجنة التكريمية، وحضر الى جانب صاحب الرعاية كل من وزير الصحة الدكتور كرم كرم ممثلاً رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص ، وزير الاعلام والمهجرين الاستاذ انور الخليل، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى المفتي الشيخ عبد الامير قبلان، والنواب : احمد سويد، سليمان كنعان، محمود ابو حمدان، بيار دكاش، ياسين جابر، ايوب حميد، سمير عازار، انطوان حداد، علي الخليل، عبد اللطيف الزين، محمد رعد، علي حسن خليل، علي عسيران، وجيه البعريني، حبيب حكيم، حسن علوية، جان غانم، واسعد حردان، والنواب السابقون : عبد المجيد الزين، رفيق شاهين وعماد جابر، نقيب الصحافة الاستاذ محمد بعلبكي، نقيب المستشفيات، في لبنان فوزي عضيمي، نقيب الصيادلة ليلى خوري، وممثلون عن الهيئات النقابية والحزبية والاهلية والاكاديمية وحشد كبير من المواسين.


في ختام الحفل القى راعي الاحتفال الرئيس نبيه بري الكلمة التالية:
 

لموسم الوقت المزدهر، المليء بالبراءة والعفوية كملعب للطفولة.
لحقوله المكتوبة بذهب السنابل، المشحونة بشوق اللوز وعسل التين .
لنهره الذي اتعبه الجريان الابدي بين اول الورد وآخر الجرح..
للجنوب الذي رسمك نجماً في سمائنا النعسة، وشجرة في مساء غريب، وطبيباً يتربص بالنزيف الذي كان يبدد نجيعنا على حجارة الطريق.
لالوان حزننا التي اتكأت عليها وانت تأكل الكتب، لتصبح معجماً للعلوم وشاطئاً لاستراحة بحر الوجع.
لقافلة عمرك وهي تتدافع عاماً بعد عام وتبقى مشدوداً الى اليقظة بين الحلم والجرح الذي لا يتعب.
للذي ضاع منا في غفلة الجهل، وغاب في نبضه في يدنا، وانطفأت شمعة قلبه.
للمرحوم البروفسور اسعد غندور في حضوره وغيابه، في صوته وصداه، نعتق اسفنا لدمه الذي سقط بين ضفتيه وحيداً،فمضى ككل جنوبي قتيلاً او شهيداً.
 

الحضور الكريم
 

دائماً، لا تمر ذكرى الاجتياح الاسرائيلي في آذار 1978، دون ان تعيد الينا كل عام صورة المأساة، وان كان مشهد الجريمة، هذا العام، لم تلونه بنادق ومدافع وطائرات الاسرائيليين بجريمة جديدة، فإن المشهد ختم فصل الدم على مقاوم جنوبي سقط في خندق عمله وعيادته في الثامن عشر من آذار هو البروفسور اسعد غندور.
اسعد غندور، الذي حملنا اليه دائماً جراح المقاومين في الجنوب فأضاء ياسمين عيونه وهو يضمدها.
اسعد غندور، الذي تطوع ليأخذ دوره في حرب تشرين، فحملنا اليه جراح ابطالنا في الجولان فطّهرها في شتاء حنينه واستحق تنويه سيادة الرئيس حافظ الاسد.
 

ايها الاعزاء
 

كانت صدمة كبيرة لي حين تبلغت الحادث المأسوي الذي اطفأ جذوة منارة جنوبية كبيرة، يشهد لها الجميع في ميدان الطب وفي النهج الوطني والقومي، وفي السلوك الشخصي والتفاني في العمل.
والصدمة لا يصنعها الموت الذي يأتينا على حين غرة ولو كنا في ابراج مشيدة، الصدمة كانت وليدة فعل الجريمة نفسها التي ارتكبت في وضح النهار، والتي نؤكد ان العدالة ستلاحق مرتكبيها حتى كشفهم ومعاقبتهم .
اقول ذلك اولاً، حرصاً على الجسم الطبي في لبنان، والذي لا يجوز ان يكون عرضة للتهديد، وكذلك أي مواطن في أي من قطاعات العمل.
واقول ذلك لأن المرحوم البروفسور اسعد غندور كان جراحاً استثنائياً تتلمذ على يد اشهر الجراحين واختار العودة الى وطنه الام رغم الاغراءات، وليس ذلك فحسب، بل وانتقل مطلع السبعينات الى الموقع الطبي المتقدم على الجبهة مع العدو الاسرائيلي في مستشفى تبنين الحكومي حيث استقبل المواطنين وأجرى العمليات الجراحية.
وحين كان اللبنانيون يتبادلون الموت على خطوط التماس، كان اسعد غندور من القلة الذين تنقلوا عبر الجهات المتشاكسة ليشارك في صنع الحياة، وليكون فيما بعد واحداً من الطلائع الذين انحازوا الى فكرة الامام الصدر في إنشاء مستشفى الزهراء، بعدما كبرت الفكرة التي كنت بذاراً طيباً في ارض طيبة، رئيساً للجسم الطبي لهذا المستشفى، ثم ليزف حلاوة روحه في هذا الصرح.
 

ايها السادة
 

ثم ها نحن بين الجنوب الذي هبط منه اسعد غندور وبين اللقاء في العاصمة لتكريم ذكراه، نقف في محكمة الوطن شهوداً ننحاز الى خياره في تصميم دور الدولة في رسم سياسة طبية تؤمن الضمانات الصحية والائتمانات لكل المواطنين. والجواب لا يقع بتولي الدولة تعميم المستشفى الحكومي على مساحة كل مدينة وبلدة وقرية ودسكرة، ولا بزيادة عدد الاسرة في المستشفيات الخاصة، انما بالسير بالتدريج الى تعميم البطاقة الصحية لكل مواطن.
لقد حاولنا في خلال السنوات الماضية شمول قطاعات جديدة بالضمان الصحي والاجتماعي، وفي الطليعة المنتسبين الى مؤسسات الرأي العام الثقافية و الفنية، وكذلك فلاحي البر والبحر واقصد صيادي الاسماك ومزارعي التبغ، ولا زلنا ننتظر المراسيم التطبيقية لقرارات الحكومات السابقة في هذا الشأن، ولا زال هذا الشأن يسلك طريقاً سقيماً متعرجاً بطيئاً دون ان يصل الى نهاية حاسمة، نأمل ان تكون موضع عناية الوزارة المختصة ومؤسسة الضمان.
وكان جزء من الجواب يقع على عاتق المكتب الوطني للدواء، الذي نرى ونؤكد ان له دوراً في كسر الاحتكار والمنافسة على الجودة والسعر، بحيث يؤدي دوره الى تخفيض فاتورة السلطة الدوائية بنسبة 40 في المئة، ولكن يبدو ان هناك من نجح بتحويل الانظار عن هدف ومهمة هذا المكتب، وجعلها مشكلة مدير للقضاء عليه .
ثم، وانطلاقاً من الجنوب، فاننا لا زلنا ندعو الى انشاء شبكة امان للمواطنين تتضمن سلسلة من عيادات وسيارات الاسعاف ووحدات الدفاع المدني والاطفاء. انه لابد من الاعتراف ان مؤسسات الدفاع المدني الاهلي ووحدات الاسعاف الطارئة التابعة لها، وفرت وتوفر على الدولة جزءاً كبيراً من هذه المهمة. الا ان المؤسسات غير الحكومية معنية بمشاركة الدولة في القيام بأعبائها وليست بديلاً عن دور الدولة.
وفي كل الحالات فإن ادارة نقاش حول سياسة وطنية في المجال الصحي هو امرحيوي جداً.
وانني ادعو الوزارة المعنية، وكذلك لجنة الصحة النيابية الى الطلب من نقابات الاطباء والصيادلة ونقابات اصحاب المستشفيات وكذلك من الهيئات الصحية الاهلية، تقديم اوراق عمل حول السياسة الوطنية المفترضة في المجال الصحي، واجراء دراسات مقارنة حول تحقيق هذه السياسة في دول العالم، وذلك من اجل سلوك طريق آمن في المجال الصحي.
 

ايها الاخوة،
 

لقد تسلم مجلس النواب مشروع الموازنة العامة، والموازنة هي تعبير عن الواقع الحالي المالي، وليست تعبيراً عن آمال او احلام، لانها حقيقة رقمية فيها فرضية حول تحقيق ايرادات من اجل، تغطية مصارفات، وفيها حساب لخدمة الدين العام.
ان اعداد مشروع الموازنة لم يكن السبب في تجميد الموقف العام. ثم ان الجمود الاقتصادي لا ينتظر اقرار مجلس النواب للموازنة. ان هناك ازمات عالمية عكست نفسها على لبنان والمنطقة، ثم ان هناك ازمات في المنطقة منها تعليق الموقف في منطقة الخليج على كرة النار الجوية الاميركية ـ البريطانية، ومنها مصير التسوية في الشرق الاوسط والانعكاسات المتوقعة للانتخابات الاسرائيلية وغيرها.
اننا في مواجهة ذلك ليس لنا من رهان سوى على عائد السلام الداخلي، وعلى دينامية اللبنانيين مقيمين ومغتربين.
إن الرهان على عائد التسوية الاقليمية سوف يؤدي الى مضاعفة الديون.
ان زيادة الثقة بالدولة، وتأكيد استقرار النظام العام، ونشر شبكة امن وامان اجتماعي، وزيادة الضمانات والائتمانات هي السبيل الوحيد لاستعادة دينامية سوق العمل وسوق الانتاج.
اننا واثقون ان رئيس البلاد يضع سمعة الدولة فوق كل اعتبار، وهو الامر الذي سيعزز شفافية الادارة ويمنع أي اساءة لاستعمال السلطة، ويدفع اللبنانيين اولاً والاشقاء ثانياً والاصدقاء ثالثاً الى الاستثمار على عائد السلام اللبناني.
كما اننا واثقون ان المواطنين سيلمسون، وبالتدريج، الانعكاس الايجابي لمنع الممارسات المنضوية على الاحتكار والتلاعب بقانون العرض والطلب، والرفع التعسفي للاسعار والغش في المعاملات التجارية المرتبطة باستيراد او انتاج وتداول السلع والعقاقير وكذلك تلويث البيئة.
هذا على الصعيد المحلي، اما على الصعيد الاقليمي فلا زال يفصل عن موعد الانتخابات الاسرائيلية سوى 16 يوماً، وهي اساساً وليدة المؤسسات العسكرية في اسرائيل، وهي التي قادت على التوالي حروب اسرائيل ضد لبنان. واني ارى ان عجز العناوين الثلاثة: الليكود والعمل والوسط، عن التحول الى اكثرية حاكمة سيؤدي الى قيام حكومة اتحاد هي في واقعها مجلس جنرالات، مما يعني ان منطقة الشرق الاوسط ستقع تحت ضغط المزايدات العنيفة لهؤلاء.
اننا، في لبنان، مطالبون بزيادة التصميم على الصمود والمقاومة وكذلك تعزيز التنسيق بين لبنان وسوريا لمواجهة أي استحقاق قادم.
 

ايها الاعزاء
 

اخيراً هو الحزن يقف على شرفة القلب يتطلع الى نجيع دمك في بركة الوقت .
هو انت وقد لملمت اصابعك المسحورة التي امسكت المبضع جمرة الوجع بعيداً عن شهد اجسادنا، وها انت طير جنوبي تدخل فصل الرحيل على غفلة من عيون الربيع، وها نحن من اول النهر الى زرقة البحر، ها نحن من اول الكلام الى آخر النص نلقي السلام على جراحك العلنية. ويبقى جرح سري في قلبك وقلوبنا هو ان نستعيد الجنوب كل الجنوب، وفي قلبه لبنان.
 

عشتــــم
عاش لبنان
 


أعلى الصفحة | اتصل بنا |

حقوق الطبع محفوظة 2003 ©

أنجز هذا الموقع الفريق الفني في مصلحة المعلوماتية - مجلس النواب اللبناني