مثّل رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي فخامة رئيس
الجمهورية العماد اميل لحود في الاحتفال الحاشد الذي أقامه الحزب السوري القومي
الاجتماعي بعد ظهر الخميس 8/7/1999 في قصر الاونيسكو لمناسبة الذكرى الخمسين
لغياب مؤسس الحزب انطون سعادة.
وألقى الرئيس برّي كلمة في المناسبة نيابة عن فخامة الرئيس، وبالأصالة عن
نفسه، هذا نصها:
للبنان الذي كلما رسموا له اشارة للموت كتبت له
الحياة
للبنان الذي كلما اضرموا عناقيد حقدهم في اوردته واطرافه كلما تأكدت قيامته وتوثقت
عرى سلامه
للبنان الذي يزف شوق العائدين الى جزين وشوق المقاومين الى وجه الارض
للبنان الذي تضيئه شموس من دواوين الشعراء فلا تلفه ظلمه
ولسوريا في ابعادها القصوى وفي معناها ، التي تلم خطى احلامنا وتأخذ بيدنا الى
الوقت فتعصمنا من اليأس فلا نتوه في صحاري القلق.
ولسوريا ، اسم البلاد التي نحب ، وصهيل التاريخ الذي نشتهي ، وتراب اجساد شهدائنا .
لسوريا ، للفكرة التي اختلطت بأريج زهر الليمون وبعبق ياسمين الشام
ولأحرف الكلام الاولى التي تاغت بها القوافل بين صــور واوغاربت لـ ( الومبي )
ووجدي الصايغ ، وسناء محيدلي .
لاولادنا الذين كبروا في الحصار وكتبوا حياتهم وقفة عز في حضرة الوطن
ولانطون سعاده الذي تجرأ ان يرى النكبة والنكسة ، وتجرأ ان يحرس نعاسنا ، ثم تجرأ
على الموت لكي نستنشق الضوء
لذكراه ولكم في هذا اليوم وعدنا وعهدنا ان نبقى سويا" لنفسر احلامنا بوطن كبير
وبعـد وبعـد ،
مبكرا" ، ومستشرفا" الزمن الاتي على ضوء الوقائع
المؤكدة لاحتضار الدولة العثمانية انذاك وتسابق الغرب لاقتسام تركة الدولة المريضة
انتبه العديد من المفكرين ومن طلائعهم انطون سعاده ان المشرق اصبح ضحية لعبة تقاسم
النفوذ بعنوان " سايكس وبيكو " وبعد ذلك وعد بلفور المشؤوم .
ولمواجهة ذلك اطلق مشروعا" علاجيا" يقوم على رفض الانحياز لمعسكرات الصراع الدولي ،
ونادى بوحدة جغرافية على مساحة كرة النار التي بدأت تلتهم المنطقة ، دون ان يتخلى
عن وحدة المصير مع العالم العربي معلنا" ان السوريين القوميين الاجتماعيين هم " سيف
العالم العربي وترسه "
وكان سعاده من اوائل الذين انتبهوا الى خطر المشروع الصهيوني معتبرا" ان الصراع مع
هذا المشروع هو صراع وجود لا صراع حدود ، ولعلنا سنكتشف بعد حين من الزمن ، انه حتى
ولو تحققت التسوية فإنها لن تأخذ شكل السلام التاريخي ، ولن تعبر عن سلام سياسي ،
بل ستعبر عن سلام السلعة الذي يحاول ان يرسي قاعدة تجعل من اسرائيل وكيل المبيعات
في الشرق الاوسط وعقدة المواصلات والاتصالات .
اقول ذلك لأننا في لبنان نملك جميعا" دليلا" حسيا"
هو حروب اسرائيل المستمرة ضد بلدنا ، والتي لم تنته عند حدود اجتياحات عامي 1978 و
1982 ، واحتلالها لمساحات من ارضنا العزيزة ، وتدميرها لمقاومات اقتصادنا الوطني
انذاك ، بل تجاوزت ذلك الى عدوان يومي يأخذ ابعادا" تدميرية كل ثلاثة اعوام ابتداء
من العام 1993 فالعام 1996 ثم الحرب ضد البنى التحتية اللبنانية كما حدث ليلة 24-
25 حزيران المنصرم .
ان لهذه الحروب ابعادا" ابرزها : اولا" محاولة اسرائيل تحطيم سمعة لبنان الذي مثل
على الدوام عقدة لاسرائيل ، وبالتالي جعل بلدنا مشوه حرب لا يستطيع النهوض
بمسؤولياته المتنوعة ونظام منطقته .
ثانيا" ان هدف اسرائيل شطب لبنان كمنافس اقتصادي محتمل لها في قطاف عائد التسوية
اذا تحققت ، لذلك فإن ضرب البنى التحتية اللبنانية هو محاولة اسرائيلية لاصابة
لبنان بالاعاقة في نظام اتصالاته ومواصلاته ، واصابته بالعمى عن طريق تعطيل محطات
وشبكات توزيع الكهرباء وتدمير جسوره الحيوية .
ثالثا" : محاولة اسرائيل تخريب صورة مشهد التعايش الذي يمثله لبنان الذي يشكل نقيض
اسرائيل العنصرية .
ورابعا" ان هدف اسرائيل المستمر ايجاد شرخ في العلاقات اللبنانية - السورية التي
باتت تشكل انموذجا" عربيا" في بناء علاقات التنسيق والتعاون والتي باتت تلعب دور
الرافعة لعناوين التضامن والعمل العربي المشتـرك ، وتضغط بإتجاه السوق العربية
المشتركة والبرلمان العربي الموحد .
وانطلاقا" من هذه النقطة اقول ان اللبنانيين الذين لمسوا حرص سوريا الدائم على
استعادة وصنع وبناء سلام لبنان ، وحرص سوريا على ضمان تماسك عناصر الوحدة الداخلية
، واستمرارها في تقديم التضحيات من اجل حفظ امن لبنان واستقرار نظامه العام - ان
اللبنانيين سيكونون على الدوام اوفياء لسوريا الاسد التي تعمر مقابل اسرائيل التي
تدمر ، والتي يجمع ابناء شعبها في كل محنه قرشهم الابيض لايام لبنان المظلمة .
اننا كذلك وفي اطار سعينا لبناء وعي اخطار المستقبل فإننا نحذر من :
أ -ان اسرائيل ستواصل خلال المرحلة المقبلة اعتبار
لبنان نقطة الانكسار في الضغط على شروط التسوية ، وهي تحت ستار ان تفاهم نيسان يقيد
حركة الجيش الاسرائيلي ، او في اطار المحاولة للقفز على القرار 425 ستعمل للضغط على
صمود لبنان ، وستستفيد الى اقصى الحدود من أي مبرر او حجة لتخريب ما حققه لبنان من
منجزات على صعيد اعادة بناء بناه التحتية ، وبالتالي تهريب الاستثمارات والتدفقات
المحلية الاغترابية والاجنبية على لبنان .
ب ـ محاولة ايجاد شرخ في العلاقة بين المقاوم والمواطن في محاولة لتجريد لبنان من
سلاح السلام الذي تمثله المقاومة ، واننا في هذا الاطار نؤكد ان المقاومة ستستمر
حتى جلاء الاحتلال وتنفيذ القرار 425 .
انه لا بد من الاشارة هنا الى ان المقاومة وسيلة
وليست غاية ، وهي ليست اختراعا" جديدا" وليست احتكارا" فئويا" ، وليست تعبيرا "
مذهبيا" او طائفيا" ولا جغرافيا" ، بل هي تعبير عن تراكم وطني وقومي وعقائدي .
لقد كان المفكرون اللبنانيين ومنهم سعاده السابقين الى المبادرةه في اطلاق مشروع
الكفاح المسلح الى جانب ثورة الشام عام 1936 لوقف الهجمة الصهيونية علـى فلسطين
وشكل في ذلك الحين مجموعات للمقاومة علـى ارض فلسطين استهشد بعض افـرادها امثـال
حسين البنـا ابن جبل لبنان ، ولازال ابناء سعاده على خطهم المقاوم الى اليوم . وقبل
ان تقع الواقعة وتقوم اسرائيل بعملية الليطاني عام 1978 كان الامام الصدر قد بادر
الى تشكيل افواج المقاومة اللبنانية ولا يزال ابناؤه حاضرين في الميدان اليوم .
كما انه لا يمكن ان ننكر على الحزب الشيوعي اللبناني تاريخه في المقاومة ورهانه
المتوقع على هذا الخيار .
ولا يمكننا ان ننسى او نتناسى طريق المقاومة التي شقها الاخضر العربي وواصف شراره
رفاق طريقنا في حزب البعث العربي الاشتراكي .
ان هذه المقاومة مجتمعة معنية بقراءة دقيقة ومتأنية لأساليب عملها بما يكفل تأدية
دورها الوطني والقومي .
والمقاومة مجتمعة معنية بصيانة المصلحة الوطنية والقومية ووضعها فوق كل اعتبار ،
ونحن متأكدون ان جميع العناوين المقاومة تدرك مسؤولياتها تماما" وهي لن تنجرّ الى
الزمان والميدان الذي يريده العدو .
ج ـ ان ما يجب ان يكون مفهوما" كذلك ان لبنان لن
يفرط بمقاومة ، وان لجم المقاومة او وقف المقاومة عناوين لا يمكن لبنان ان يقبل
بطرحها ، لأن المطلوب لجم العدوان الاسرائيلي ووقف الرماية الاسرائيلية بالذخيرة
الحية على صدور مواطنينا واهلنا في الجنوب والبقاع الغربي وعمق المناطق اللبنانية .
وفي كل الحالات ، فقد اثبتت الايام ان ما يسمى بأمن الشمال وامن المستوطنات
الاسرائيلية في الجليل لا يمكن ان يتحقق من خلال الاحتلال والحزام الامني .
كما ان لجوء اسرائيل الى استخدام جميع عناصر القوة من خلال الاجتياح كما حدث عام
1982 او الى استخدام كرة النار البرية والجوية والبحرية كما حدث في تموز 1993
ونيسان 1996 او اللجوء الى استخدام التاسك فورس الجوية والتي توجت الاهداف المدنية
اللبنانية كما حدث قبل اسبوعين امر لن يجعل المستوطنين بمنأى عن التعرض للضرب وقد
اثبتت القوة الاسرائيلية عجزها عن فرض ترتيبات امنية على لبنان واسقاط اتفاقية 17
ايار ثم سقوط نتنياهو في 17 ايار هما خير دليل على ذلك .
ان تفاهم نيسان هو الاطار المقبول لحماية المدنيين
على جانبي الحدود ، وعليه فإن مشروع موشي ارينز للقفز فوق هذا التفاهم بإعتباره
يقيد حركة الجيش الاسرائيلي امر يؤكد على المسؤولية في رفع درجة التوتر في كل مرة .
ايتها السيدات والسادة
ان الباب الوحيد المفتوح امام اسرائيل للخروج من
لبنان هو تنفيذ القرار 425 .
كما ان الابواب الوحيدة المفتوحة امام سلام المنطقة هي الغاء المعايير المزدوجة في
تنفيذ القرارات وعدم بقاء اسرائيل استثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية وفي
الطليعة 242 و 338 .
ايها السادة
ايتها الاخوات العزيزات والاخوة الاعزاء .
ان استمرار عملية بناء وصنع سلام في لبنان ترتكز على
بناء الثقة بالدولة العادلة القادرة ، والثقة بالدولة تزداد وتترسخ بتمكين
المواطنين وتوسيع خياراتهم ، وزيــادة مشاركتهم في كل ما يصنع حيـاة المجتمع
والدولة ، كما ان الثقـة بالـدولة تزداد وتترسخ بقيام السلطات بواجباتها بشكل كامل
، وبزيادة الرقابة الادارية المدنية على اوجه اساءة استعمال السلطة العامة سواء في
شقها التنفيذي او التشريعي او القضائي او في مجالاتها السياسية او الادارية او
الامنية او العسكرية .
كما ان هذه الثقة تزداد بقيام الدولة بدورها تجاه الممارسات المنطوية على الاحتكار
، وتقييد التجاره ، والتلاعب بقانون العرض والطلب والرفع التعسفي للاسعار ، وتلويث
البيئة ، وانتهاك النظم الضريبية والجمركية .
ان هذه الثقة تحتاج الى توجيه عناية مؤسسات الرأي العام الاعلامية الى دور الدولة
الاقتصادي ، ودورها الاجتماعي والتربوي والصحي والثقافي والاعلامي ، والى خطط
الدولة في مجال تنمية الموارد البشرية وفي مجال اغلاق ملف المهجرين بشكل نهائي ،
والى دور الدولة اساسا" في بناء الصمود الوطني بمواجهة الاحتلال والعدوان
الاسرائيليين .
ان تغييب افعال الدولة في هذه المجالات واعتماد الاثارة في تناول دور السلطة
القضائية امر بات يحول لبنان الى قاعة محكمة غير منضبطة يسودها الهرج والمرج ،
وتختلط فيها قضايا فض النزاع مع الاحتيال والاغتيال ، والجريمة الحقيقية والجريمة
الاعتبارية والجريمة المنظمة .
السيدات والسادة
اني اوجه عناية الجميع الى ان العهد الجديد يطرح
فرصة حقيقية لبناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ النظام البرلماني الديموقراطي ،
وانه ومن غير المقبول ان تتحرك اشباح خلف الستار او تحت العناوين المطروحة للاساءة
الى البلاد او السلطات المتنوعة او المعارضة او الموالاة .
ان المواطنين يجب ان يتولد لديهم الاحساس بالدولة وان يلمسوا ادوارها المتنوعة ،
وان يشعروا بالامن والامان في ربوع الدولة لا بالخوف منها .
ان المطلوب هو زيادة مساحة الحوار بين الجميع وادارة الاتفاقات او الاختلافات بشكل
ديموقراطي ، ووعي دقة المرحلة التي تمر بها المنطقة ، خصوصا" تلك المتصلة بإمكانية
ادارة صراع الحوار المتصل بالمفاوضات على المسار اللبناني- السوري او على المسار
الفلسطيني ، والتنبه الى امكانية ان يدفع بلدنا ثمن عملية الهروب الى الامام من
مفاوضات المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني ، او مفاوضات الحل الشامل التي يمكن
ان يلجأ اليها باراك كسبا" للوقت ، بإنتظار دخول الولايات المتحدة في حمى
الانتخابات الرئاسية .
ايتها السيدات والسادة
ان المجلس النيابي مقبل على نقاش الموازنة العامة في
جلسات مفتوحة متلفزة امام الرأي العام ، ونأمل من ان يتسع الصدر للملاحظات والمواقف
التي تصدر عن الزملاء النواب ، لأنها في مجملها تنطلق من التفويض الشعبي للنائب من
اجل تحقيق الصالح العام خصوصا" وان الموازنة ترسم حدود ممارسة النشاط العام للدولة
.
وفي اطار الخطة فإن المجلس النيابي معني بادارة اوسع نقاش مع القطاعات الاقتصادية
والنقابات ومؤسسات الرأي العام حول الخصخصة .
ان الهدف المشترك للمجلس والحكومة سيكون خفض العجز في الموازنة وخدمة الدين العام ،
والاستمرار بالتالي في تنفيذ برامج التنمية المخططة بما يتيح خلق دينامية اقتصادية
تفتح الابواب امام قوى العمل والانتاج .
لقد سبق وطلبت في كلمة لي بفتح اكتتاب وطني على مساحة لبنان المقيم ولبنان المغترب
لدعم الخزينة العامة للدولة ، وقد بادر فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود وفي
اعقاب العدوان الاسرائيلي الاخير الى فتح الابواب امام العواطف الطيبة والنبيلة
للمواطنين وايضا الاشقاء والاصدقاء للاكتتاب .
انني اضم صوتي الى صوت فخامته واعتقد واجزم ان صوتنا سيلقى صدى لدى كل لبناني مخلص
ولدى المواطنين العرب ، ولا اقول الحكومات التي لم تلتزم مقررات القمم العربية
الصادرة لدعم لبنان ، والتي لم تلتزم بما صدرفي الطائف بانشاء صندوق عربي ودولي
لدعم لبنان ، والتي لم تبادر الى محو ديون لبنان .
السيدات والسادة
بالعودة الى ذكرى المحتفى به ، فإننا نقول ان ممارسة
المواطن لحقوقه السياسية والمدنية واساسا" لحقه في الوصول الى القوت دون ضغط او
رقابة ، وبإفساح المجال امام القوى السياسية الحية والنقابات والمنظمات الشعبية
والمؤسسات الاهلية المتنوعة للعب دورها كاملا" ، هي الاسس التي تبنى عليها الاوطان
، وان قمع التعددية السياسية واحتكار السلطة والقاء القبض علــى الفكر وتداوله ومنع
تشكل الشارع السياسي ، طرح ان يدبّر سعاده ورفاقه امرا" في ليل ثم كان استشهاده
الذي شكل خسارة وطنية وقومية .
ان مشاركة الجميع في انتاج النظام السياسي وفي انتاج احزابهم ونقاباتهم ومؤسسات
المجتمع المدني امر في مصلحة الوطن وازدهار الانسان فيه .
لقد انتج القمع والحرمان حربا" اهلية وجعل ذلك لبنان لقمه سهلة امام اجتياحات
اسرائيل .
اما الحرية والمشاركة والديموقراطية والتنمية وسيادة القانون فإنها تؤسس لـوحدة
وطنية حقيقية ، ولوطن قوي بمقاومته وبوحدة خطابه السياسي ، وبأخوته وتعاونه مع
اشقائه وفي الطليعة سوريا .
بقي ان اقول من موقعي كرئيس لقوة سياسية حية نابضة في حياة المجتمع والدولة في
لبنان في حركة امل ، ان هذه الحركة لم ولن تفرط بتحالفها مع الحزب السوري القومي
الاجتماعي في أي ظرف من الظروف وهي ستبقى وفية لحلفائها في خندق المقاومة وفي
الورشة المستمرة لصنع وبناء سلام لبنان .
عشتـــــــم
عاش لبنان