كلمة الرئيس نبيه بري
في
الاحتفال التكريمي الذي اقامته السيدة بهية الحريري على شرفه
لمناسبة " تجديد الحياة البرلمانية في لبنان"
اقامت
السيدة بهية الحريري يوم الجمعة 20/9/2002 في دار العائلة في مجدليون، حفلاً
تكرمياً لدولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه برّي ترافقه عقيلته السيدة رنده برّي،
بمناسبة مرور عشر سنين على " تجديد الحياة البرلمانية في لبنان " في حضور رئيس
الحكومة رفيق الحريري.وحضور رسمي وسياسي ونيابي.
مثلت رئيس الجمهورية السيدة اندريه اميل لحود وحضر الرئيس عمر كرامي، نائب رئيس
المجلس ايلي فرزلي، امين عام الاتحاد البرلماني العربي نور الدين بو شكوج، واعضاء
من السلك الديبلوماسي والجسم القضائي وشخصيات عسكرية وحزبية ونقابية ورؤساء بلديات
ومخاتير.
وتحدثت النائبة السيدة الحريري فقالت :
"نلتقي اليوم لنحتفل بالذكرى العاشرة لتجديد الحياة
الديمقراطية كما اراد تسميتها رمزها الكبير الذي نحتفل بتكريمه دولة الرئيس نبيه
برّي انطلاقاً من قناعته بأن الدولة استمرار وتراكم وان الغاء الاخر كان دائما
الغاء للذات. في حين اننا كنا نحب ان نسمي هذه المناسبة اعادة بناء الحياة
الديمقراطية في لبنان والتأسيس لدولة القانون والمؤسسسات. لان انتخابات 1992 لم تكن
مجرد انتخابات لمجلس نيابي يختار الشعب فيه ممثليه. بل كانت استفتاءً واستطلاعا
وانتخاباً وتأسيساً لشراكة وطنية جديدة، وحدا فاصلا بين الوطن واللاوطن، والدولة
والدويلات والحدود الواضحة وخطوط التماس كانت تجسيدا للانصهار الوطني في مشروع
الدولة الواحدة في مقابل التكونات خارجها.
واضافت :" ان انتخابات 1992 التي نحتفل بمرور عشر
سنوات على انطلاقتها كانت الدليل الواضح على ولوج السلم الاهلي عوضاً عن الحرب
الاهلية ولما كانت شروطها التسامح والنسيان وفتح القلوب والاذهان والاذان واحترام
الرأي والرأي الاخر، والاختلاف تحت سقف الوحدة الوطنية وتجسيداً لكون لبنان نظاماً
جمهورياً برلمانيا ديمقراطياً الشعب فيه مصدر السلطات فكان المرشح ناخباً والناخبون
مرشحين يومها كان الفائز الوحيد هو الوطن ولم يكن في لبنان انذاك أي من الخاسرين
فأمام الوطن وعزته وكرامته ووحدته هانت التضحيات وانتصر كل لبنان، وكل اللبنانيين.
ثم القى المحتفى به دولة الرئيس نبيه برّي كلمة في المناسبة فقال:
بسمه تعالى
للجنوب الذي سهر ليل العمر حارساً لاسوار الوطن، ولم
يتهيب حمحمات الخيل ولا حمم المدافع والطائرات، واستيقظ فجره دائماً على شمس
مقاومته.
لصيدا سفينة البر الراسية في ميناء القلب، المسكونة
بالوان البر والبحر، والتي تمتد فروعها شذى نحو جنوب الجنوب، نحو القرى التي تقرأ
في كتبها وقتها ووجدها ومقاومتها.
لصيدا جرة الموايل التي يتنهدها البحر، ونحلة
الشاطىء التي تكتب عسل المواقف، والتي تسافر في الالحان ولا تقترب، والتي تكبر مع
العناقيد ولا تذوي.
للبنان كل لبنان المقيم والمغترب، من الجنوب ومن
عاصمة صيدا الف تحية وبعد،
قبل ان ادخل بيت المناسبة من بابها الذي هو :
" الديموقراطية "
لا بد من توجيه عناية الجميع الى الوقائع الضاغطة
على المنطقة، ليس من اجل ان نكتم اصواتنا وانفاسنا بإنتظار ما سيحصل وانعكاسات ذلك،
وليس من اجل طأطأة الرؤوس والاستسلام الى وقائع الازمة الاقتصادية - الاجتماعية،
وليس من اجل وقع الحوار حول العناوين الوطنية والسياسات العامة، وانما من اجل ان لا
يفسد اي اختلاف في الامر مودة، وحتى لا تسود لغة التنابذ والشحن المتنوع.
اننا من وجهة نظري وعلىالمستوى الاقليمي امام تحديين
: الاول تمثله سياسات الولايات المتحدة الاميركية، التي تحاول اجبار دول العالم
بالوسائل القهرية على التلاؤم والتعاون تحت سقف المعايير الاميركية، هذه المعايير
التي يمكن ان تلصق صفة الارهاب والشر بكل ما يتعارض معها او يعترض عليها وعلى
وسائلها.
ان اهداف تلك السياسات الاميركية كما يتبين يوماً
بعد يوم، ليست ذات صلة بمكافحة الارهاب الدولي، وانما في واقع الامر الوصول الى هدف
آخر هو السيطرة على حقول النفط من كازاخستان في الشمال وحتى منطقة الخليج في الجنوب
ومحاولة اصطياد جملة اهداف بطلقة واحدة عبر سيناريو يهدف الى تفكيك النظامين العربي
والاسلامي، واعادة صوغ المحيط الاستراتيجي لاسرائيل بما يلائم الحليفين
الاستراتيجيين الولايات المتحدة واسرائيل.
اما التحدي الثاني فتمثله السياسات الاسرائيلية التي
يقودها مجموعة من الجنرالات الاسرائيليين على رأسهم شارون، تستثمر الى المدى الابعد
من اجل شطب القضية الفلسطينية وصولاً الى سناريوهات معدة لترحيل فلسطينيي قطاع غزة
الى ليبيا، وترحيل فلسطينيي الضفة الى الاردن، وانشاء وطن بديل، ولا يستثني هذا
السيناريو عرب فلسطين في المناطق المحتلة عام 1948، حيث تنظر اسرائيل الى لبنان
ليكون رصيفاً تلقيه عليهم.
ازاء ما تقدم، فإنني ادعو كل لبناني مخلص في
الموالاة او المعارضة، في الاحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية الى الانتباه الشديد
الى ان الاشهر القادمة بما تحمله من كرات ملتهبة للنار من المحيط الى الخليج، تنذر
بأن حالة من الاضطراب والفوضى قد تهيمن على منطقة الشرق الاوسط برمتها اضافة الى
محيطها الاقليمي، والى ان اي تحولات او احداث ربما تعكس نفسها على لبنان الذي يشكل
القلب النابض للمنطقة، والذي يشكل رغم صغر مساحته وعدد سكانه عنصر توازن وقوة
لنظامه العربي، وهو الامر الذي يستدعي منا جميعاً التأكيد على الوحدة الوطنية التي
هي درع لبنان، ومن اجل ان لا تترك الوقائع القادمة اية بصمة سوداء على بلدنا.
بالعودة الى هذا اللقاء فإنني اتوجه بالشكر الخالص
الى الزميلة السيدة بهية الحريري الامينة العامة لكتلة المقاومة والتنمية النيابية
ورئيس لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة على هذه الدعوة الكريمة التي تجمع هذا
الحشد البرلماني والحكومي والدبلومـاسي والحـزبي والنقابي على الخبز والملح
والديموقراطية، بمناسبة مـرور عشر سنوات علىعودة الحياة البرلمانية الى لبنان.
وبـداية لا بـد ان اسجـل وسط غـابة التنـاهش المحلية
- واسمحوا لي بهذا التعبير - والتي شهدت ابشع انواع السجالات بلغة التنابذ والعصبية
والتراشق بالاتهامات على مساحة الشارع السياسي في لبنان - لا بد ان اسجل - ان هذه
الدعوة تشكل فرصة للجميع للانتقال الى واقع تحكمه الديموقراطية وتسوسه الدولة بدل
واقع التصادم الراهن الذي يكاد يؤدي الى ابراز صورة لبنان كمعوق سياسي.
ان الشرط الاول للانتقال الى واقع تحكمه
الديموقراطية هو القبول بالاختلاف او الائتلاف تحت سقف الدولة.
ان الدولة التي مثلت ضرورة تاريخية لقيادة
المجتمعات، هي اليوم وفي لبنان خصوصاً اكثر من ضرورة ملحة للحفاظ على وحدة المجتمع
وترتيب مصالحه، بوصفها التعبير عن الارادة الشعبية.
ابدأ بهذا الشرط الذي هو الدولة وضرورتها لأن هناك
محاولة لاشاعة اجواء توحي للمواطنين بأنهم خدعوا، وبأن الدولة هي لفئة دون اخرى،
وبأن هناك غالباً ومغلوباً وان هذا الامر يستدعي التمـرد على الدولة او الاستقواء
على الدولة حتى بالاجنبي، وباقامة مؤتمرات خارج حدود الدولة والسيادة، وبتعليق كل
انواع والوان الغسيل الوطني الوسخ على الحبال، والايحاء بأن لبنان غير حر، وبأن
الدولة هي سلطة قابضة.
في هذا المجال اتوجه الى المواطنين لاقول، ان ادارة
ادوار الدولة امر يختلف بين الاحلام وتفسيرها، وبين النظرية التي تحاول ان توحي بأن
البطاقة الانتخابية هي التي تجعل المواطنين يحددون بأنفسهم السياسات العامة وانهم
بعملهم وبعقولهم المغامرة هم انفسهم من يقرر ازدهار الدولة وانطلاق المجتمع وبين
التطبيق حيث لحرية العمل حدود ضرورية ترسمها الدولة بالتشريع الاجتماعي والاقتصادي،
وبالاستثمارات العامة ونظام الضرائب والاعتمادات، ودور الدولة في سير الاقتصاد او
تخليها عن بعض ادوارها.
كما ابدأ بهذا الشرط الذي هو الدولة لأن هناك
اصواتاً تحاول ان توحي بأن الدولة ( مشلولة )، وبأن مجلس النواب غائب عن اداء دوره،
وبأن القضاء غير مستقل، وبأن هناك ارهاباً رسمياً، وبأن السلطة التنفيذية
والاجرائية تسيء وتتعسف في استعمال القانون، وصولاً الى القول بأن المجتمع محاصر
وان هناك رقابة سورية صارمة تحول دون تحرر الدولة.
ايتها السيدات والسادة
من وجهة نظري فأن هناك محاولة لشل الدولة ولخلق شكوك
حول مدى شعبيتها، وهناك مسعى لتحويل البلد الى مرتع للقلق وجعل الموقف العام غير
مستقر، وتصوير النظام العام على انه هش.
ان واقع الامر هو غير ذلك بالتأكيد رغم وجود آفات
موروثة، في طليعتها الطائفية السياسية التي لاتزال تضغط على الدولة والمجتمع،
ونواقص ناتجة عن عدم الكفاءة في ادارة الاختلاف او الاتفاق.
ومن نافل القول ان مسيرة عشر سنوات منذ عودة الحياة
البرلمانية الى لبنان، تبرز الى حد بعيد ان مشاركة المواطنين في كل ما يصنع حياة
الدولة والمجتمع قد ازدادت رغم الدعوات الى المقاطعة والسلبية ومحاولة تعميم صفة
الاحباط، كما ان آلية صنع القوانين قد تطورت وباتت تضاهي اعرق الديموقراطيات، حيث
ان تحديث وصفها القوانين تتم بمشاركة كبار رجال القانون والقطاعات المعنية،
وبالمقارنة مع القوانين المماثلة المرعية الاجراء في دول العالم المتقدمة، كما يتم
وبشكل متواصل بناء علاقة عصرية بين التشريع والتكنولوجيا.
انا اعترف بأن هيكل الادارة قد جرى ترميمه ولم يجر
اصلاحه، واعترف ان الازمة الاقتصادية - الاجتماعية قد ازدادت عمقاً، واعترف ان
الجدل حول الانتماء والولاء والانصهار قد ازداد حدة، الا ان ذلك لا يعني فشل
الدولة، بل يعني ان على الاخرين الاعتراف بالمقابل بأن الدولة نجحت في تحقيق قدر
كبير من التسامح المتبادل في بلد شهد سبعة عشر عاماً من فتنة دموية، وبأن الدولة
نجحت في توحيد الارض والشعب والمؤسسات، وبأن الدولة نجحت برعاية قوى المقاومة
ومكنتها من دحر الاحتلال، وبأن الدولة نجحت في الصمود عند شعارها في سعيها لبسط
سيادتها حتى كامل حدودها الجنوبية، بما يعني اصرارنا الكامل على استكمـال تحرير
ارضنا وفي طليعتها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وكذلك استثمار مواردنا الطبيعية وفي
الطليعة المياه الجارية والجوفية في الجنوب والبقاع الغربي، بما يعني كما سبق
واعلنت : ان لبنان سيمضي قدماً في اسثتمار حقوقه وثروته المائية ولا سيما منها
الوزاني والحاصباني.
لقد نجحت الدولة في الاستثمار على التعليم واستعادت
المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية الثقة بهما، وستنجح الدولة في تحديث القوانين
المتصلة بالتعليم العالي والمعاهد والجامعات، وبقي هناك خطة اساسية يجب ان تتحقق
وهي ربط عائد التعليم العالي بسوق العمل، حتى لا يبقى لبنان مصدراً للموارد البشرية
التي تحمل الشهادات العليا.
في كل الحالات، لست في موقع المدح لما تحقق، ولكن
يجب عدم التقصير في اعطاء علامات جيدة حيث يجب، ويجب عدم الخوف وعدم دفن الرأس في
الرمل حتى لا نرى الاخطاء.
ونحن في كل الحالات، لسنا بصدد محاكمة الدولة على
افعالها وادوارها، والذين يحاولون ان يكلفوا انفسهم عناء ان يكونوا قضاة او محامين
او جلادين للنظام هم اساساً في موقع المسؤولية وكذلك في موقع الاتهام.
وبالعودة الى المناسبة فإننا نرى ان دخول الوطن كما
اسلفت يجب ان يكون من باب الديموقراطية وليس من باب الطائفية.
ان السير بإتجاه الغاء الطائفية السياسية يشكل الامس
واليوم وغداً ضرورة وطنية، حيث لا يمكن التوفيق بين الدولة والطائفية، في حيـن انه
لا يمكن الا التوفيق بين الدولة والطوائف، شرط ان تكون الدولة فوق الطوائف، وشرط
ترسيخ النظام البرلماني الديموقراطي حتى لا يفهم من الكلام اننا مع ديموقراطية
توافقية.
ان الطائفية السياسية شكلت منذ الاستقلال عنصر
التحكم بالدولة ومواردها وعلاقاتها، وحولت البلد الى طاولة لتقاسم الغنائم، ثم جعلت
من الطوائف متاريس واكياس رمل، وفتحت لبنان امام الرياح والحروب الاسرائيلية على
ارضه.
انني ومن اجل تصويب بوصلة الفرقاء وشعاراتهم التي
تبحث بالسراج والفتيل عن عناصر الاختلاف، ادعوهم جميعاً الى اطلاق حملة وطنية من
اجل تعزيز الديموقراطية وجعلها انموذج حياة، لأن الديموقراطية هي البديل الحقيقي
للطائفية، ولأنها حصانة العيش المشترك وحصانة الحرية، وهي البديل لازدهار لبنان
وازدهار الانسان فيه.
ان مثل هذه الحملة ستسهم دون ادنى شك في زيادة وعي
المواطن حول حقوقه، ليس حقه في التعبير والانتماء فحسب، بل واساساً حقه في الوصول
الى القوت، وبالتالي فتح الافاق وتوسيع الخيارات امام كل مواطن لتمكينه من العيش
بكرامة.
ان مثل هذه الحملة ستنشىء وعياً دستورياً ووعياً
قانونياً لا يتيح بالتالي من انتقاص الحقوق الدستورية والقانونية للمواطن، ويمنع كل
اساءة في استخدام القانون او التعسف في استخدام القانون.
ايتها السيدات والسادة
ان مشكلة الفقر والديون هي مشكلة موازية للطائفية،
اننا جميعاً يجب ان نعترف ان الحرمان هو ارضية الانفجار، ويجب ان نعترف جميعاً
انننا نقف امام تهديد انفجار اجتماعي ناتج عن ازدياد حدة الازمة الاقتصادية
الاجتماعية.
لقد وضعت مجموعة مؤسسات وطنية في طليعتها المجلس
الاقتصادي والاجتماعي وجمعية الصناعيين وجمعية المصارف والاتحاد العمالي العام جملة
اقتراحات جديرة بالاهتمام.
ان الحكومات المتعاقبة تواصل اللجوء قصداً الى
الخبراء لابراز المشاكل بكل ما فيها من تعقيد وبلغة لا يفهمها معظم المواطنين.
ان المطلوب ابراز الحلول واسلوب ادارتها لأن ذلك هو
صلب عمل الحكومة.
وفي هذا المجال ومن موقع رئاسة مجلس النواب بصفته
سلطة رقابة ومحاسبة على اعمال الحكومة اقول، اننا لا نقبل ان تصاب الديموقراطية في
جوهرها عن طريق الاذعان للاقاويل بأننا لن نستطيع تعديل سياسة الحكومة.
ان خضوع الاقلية للاكثرية هو قانون الديموقراطية،
ولكن خضوع الاكثرية لارادة الحكومة هو الخطر على الديموقراطية، وعليه فإننا لن نقبل
بسياسات مالية ضاغطة او مضغوطة على حساب التنمية وعلى حساب المناطق الحدودية
والمحرومة.
ان الدينامية الاقتصادية لن تنطلق الا باطلاق
مشروعات التنمية الريفية، وسياسة شد الاحزمة لن تولد الا الانفجار الاجتماعي.
ايتها السيدات والسادة
ان الديموقراطية والحرية هما صنوان، ولا يمكن فصل
احدهما عن الاخر او تقييد احدهما لأنه تقييد للاخر.
اننا لن نقبل بوصم الدولة باللا انسانية او التعسف،
كما اننا بالمقابل لن نقبل بالصورة التي يحاول البعض جعلها علامة لبنان الفارقة عن
طريق تعبئة المواطنين وجرهم ووضعهم امام قوى مكافحة الشغب.
ان بعض التجمعات والعناوين السياسية تحاول ان تجعل
من نفسها جماعات نفـوذ على حساب الدولة وعلى حساب سمعة لبنان، وتحاول ان تقطع كل
انواع الحوار بين بعض الجمهور والدولة ومؤسساتها وعناوينها. اننا لا يمكن ان نتصور
الديموقراطية دون حرية، كما اننا لا يمكن ان نتصور الديموقراطية والحرية دون مشاركة
ايجابية.
اننا نفهم الحرية على انها صوت صارخ في البرّية
لتنبيه الناس الى الحق والحقيقة، ونرى ان لصوت الحرية حقاً في التدخل لدى الدولة من
رأس الدولة الى كافة المؤسسات التشريعية والحكومية والقضاء والاعلام، وان تتوسط
الاحزاب والنقابات الشعبية والطالبية.
لذلك، فإننا نرفض هدم المبادىء التي تقوم عليها
الحرية والديموقراطية، والاكتفاء بالاستثمار عليهما كشعارات لهدم الدولة وارباك
النظام العام.
اننا نقول اذا كانت السلطة المطلقة شراً مطلقاً فإن
الحرية المطلقة شر مطلق.
ان القوانين هي الضابط لتصرفات السلطة وكذلك
المواطن، ويجب على الجميع الانصياع للقوانين وتطبيق القوانين بصورة شاملة لا
استنسابية.
ايتها السيدات والسادة
لا بد في هذا اللقاء التكريمي للمجلس النيابي والذي
ينعقد بمناسبة مرور عشر سنوات علىعودة الحياة البرلمانية الى لبنان، - لا بد - ان
اسجل الشكر والعرفان للشقيقة سوريا ولرمز العروبة الخالد سيادة الرئيس حافظ الاسد
ولسيادة الرئيس الدكتور بشار الاسد وللمجلس والحكومة والجيش السوري على التضحيات
المستمرة في سبيل لبنان الموحد الارض والشعب والمؤسسات، وفي سبيل قيامة لبنان وصنع
وبنائه سلامه الاهلي، وهو الامر الذي اسس لعودة الدولة ولعودة الحياة البرلمانية،
ولقيام النظام الديموقراطي البرلماني، ولانتصار المقاومة ودحر الاحتلال الاسرائيلي
عن معظم ارضنا.
ومن نافل القول ان سوريا بالاضافة الى انها اثبتت
انها الشقيق وقت الضيق، فإنها العمق العربي الوحيد للبنان على مساحة كبرى من حدوده،
وعدا ذلك فإن اسرائيل من امامنا والبحر من ورائنا.
لذلك، فإننا في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، لن
نتخلى عن علاقتنا ليست المميزة فحسب مع سوريا، بل كذلك ازاء التحديات الهـادفة الى
تفكيك وزعزعة النظامين العربي والاسلامي، وتحديات العولمة وانعكاساتها على بلدينا
ومنطقتنا.
ان هذا الموقف يجب ان يكون موضع ادراك واقتناع وتفهم
من كل اللبنانيين ليس وفاء لسوريا فحسب، وليس بسبب علاقة اللغة والدم فحسب، وليس
بسبب الجغرافيا والتاريخ المشترك ايضاً، وانما ايضاً لسبب استراتيجي ينبع من مصلحة
لبنان في هذه العلاقة، وحاجة لبنان الى هذه العلاقة، وهي مصلحة سوريا وحاجتها،
وكذلك لا بد وبمناسبة هذا اللقاء من توجيه الشكر الى الدول العربية الشقيقة التي
عملت في سبيل استعادة لبنان عافيته، والتي قدمت اسهامات متنوعة وصولاً الى اتفاق
الطائف الذي اصبـح دستـوراً وحتى اليوم، ومن اجل دعم لبنان مادياً واقتصادياً
وخصوصاً المملكة العربية السعودية - الكويت - الامارات العربية المتحدة.
ولا بد كذلك من توجيه الشكر الى الدول الصديقة وفي
الطليعة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي انحازت بشكل كامل الى جانب مقاومة
الشعب اللبناني، والى كل الدول التي تراعي في صداقتها مع لبنان الصدق في تقديم
الدعم.
اخيراً ومن صيدا لا يفوتني الترحم على صديق ومقاوم
هو الاخ مصطفى سعد الذي قضى شهيداً بعد صراع طويل مع الموت الى ان وافاه الاجل، وقد
عاش لحظات التحرير وانتصار المقاومة.
مجدداً اتقدم بخالص الشكر الى الزميلة بهية الحريري
على هذه الدعوة التي نثمنها، لأن غايتها النبيلة هي تأكيد الاستثمار على
الديموقراطية التي يمكن ان تحقق العائد الذي نتوخاه جميعاً وهو ازدهار الانسان في
لبنان .
عشتم
عاش لبنـــان
والقى الرئيس الحريري كلمة قال فيها :
" بعد مرور عشر سنين على انتخابات عام 1992 لا بد ان
ننظر الى مستقبل الحياة البرلمانية في لبنان وان ننقيها من الشوائب ونفيد من
التجربة التي مرت علينا خلال السنوات العشر الماضية. وهذا الامر منوط بجميع السلطات
في البلد من مجلس نيابي ومن سلطة تنفيذية. ونحن سنتعاون مع كل القوى السياسية من
اجل التوصل الى قانون انتخابي مستفيدين من التجربة التي مرت علينا خلال السنوات
الماضية، للتوصل الى انتخابات يشعر فيها جميع المواطنيين انهم شاركوا في انتقاء
ممثليهم على مساحة الوطن كلها.
لن اطيل في هذا الاطار، فقد كفاني دولة الرئيس
التحدث باسهاب عن المجلس النيابي ودوره وعن السلطة التنفيذية والمشاكل والتحديات
التي نواجهها ولكنني اريد القول ان هذا الكلام وهذا البيت بالذات وهذه المنطقة قبل
20 عاماً شهدت اجتياحا اسرائيلياً غاشما للبنان بدأ من الجنوب ووصل الى بيروت
العاصمة وكان ان انحسر بعد بضع سنوات تحت ضربات مقاومة الشعب اللبناني التي نفخر
وعلى مقربة من هنا تربض جزين التي عانت الاحتلال وصيدا وبقية الجنوب الى الحدود
وبقي جزء من قلبنا في لبنان تحت الاحتلال ممثلاً بمزارع شبعا وكفرشوبا. موضوع
المياه كما قال دولة الرئيس برّي، لبنان متمسك بالقانون الدولي وبالاعراف الدولية
ولن يتنازل عن نقطة ماء وعن حقه ولن يحاول احد ان يثنيه عن عزمه هذا. نحن من
المنظومة الدولية مع القوانين والاعراف الدولية ويقف الى جانب لبنان كل اصدقائه في
العالم من اجل الوصول الى حقه حسب القوانين والاعراف والاتفاقات المعمول بها في
جميع انحاء العالم.
انطلاقاً من ذلك فان لبنان في حاجة الى كل قطرة من
مياهه وسيعمل للحصول على حقه هذا بواسطة الامم المتحدة وبالتعاون مع جميع دول
العالم وخاصة الفاعلة منها في المنظومة الدولية.
|