كلمة الرئيس نبيه بري في حفل إفطار مؤسسات " أمل " التربوي


 

بسمه تعالى

 

للطليعيين الذين رفعوا الراية الرمضانية فوق تلال الطيبة وشلعبون ومسعود ..

للسباقين الذين مشوا على اصابع الصخر وعلى جمام الماء وهم صائمون ، وغرسوا قاماتهم في الارض من اجل ان يكون قطاف شهادتهم تحريرا" للارض والانسان ..       

للأوائل الذين نهبت جلودهم سياط الحرمان ، والذين حملوا قراهم الى احزمة المدن عناقيد امل في سلالهم .

لأبناء امل الاوائل في احساسهم بالتحدي الذي يمثله لبنان العيش المشترك ، الاوائل في احساسهم بضرورة الدولة ، والاوائل بإحساسهم بالمقاومة كضرورة ملحة لمواجهة التهديد الذي تمثله اسرائيل بعنصريتها وعدوانيتها ، الاوائل بإحساسهم بالناس الاشد فقرا" وحاجة وحرمانا" ، الاوائل بإحساسهم بالتنمية المتوازنة التي تدور حول الناس ومن اجل الناس وبواسطة الناس ...

لأبناء امل ، الاوائل بإحساسهم بعروبتهم ، وبأن العروبة اكثر من مصلحة واكثر من لغة وجغرافيا وتاريخ ، وبأنها انتماء للهواء والماء والارض ، وبأنها فكرة لم تتفرق عنها ايدي سبأ بل عقيدة انتشرت نخلا" وتينا" وزيتونا" من اقصى الواحات الى جبل القدس . 

لأبناء امل الاوائل في الالتزام بأن القدس قطعة من السماء وليست قطعة من الارض ، وبأن شرفها يأبى ان تتحرر الا على ايدي المؤمنين .

لأبناء امل الذين نجتمع على خبز وملح مؤسساتهم التربوية المكتـوبة على اسمـاء شهداء الخيـام والتحرير ، شمران ومحمد سعد ، بلال وهشام فحص ، وحسن قصير ولمؤسساتهم المكتـوبة على اسماء عنـاوين رسالتهم : الامـام القـائد السيـد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب .

لأبناء الوطن المغتربين والمقيمين الذين قدموا بثقة دعمهم المادي والمعنوي من اجل اعلاء هذه الصروح ..

للمثابرين الذين اقتطعوا من لحمهم وخبزهم لترتفع هذه الصروح التربوية ، للمهندسين والعمال الذين وقفت عيونهم مقابل المخـارز على خطوط النار وخطوط الحرمان حتى انجاز الاعمار .

لمجلس ادارة هذه المؤسسات وادارتها التربوية والاسرة التربوية فيها التي تنطلق من رسالتها .

لكم جميعا" اسأل الله ان يتقبل صيامكم وجهدكم وجهادكم وبعــد :

 

ان الواجب تجاه التربية وتجاه اجيالنا هو ما يحفزني كل عام من اجل رعاية هذا الافطار الذي تقيمه مؤسسات امل التربوية من اجل غايتين :

الاولى : الغاية النبيلة لهذه المؤسسات التي ترعى ابناء الشهداء والجرحى والمعوقين والمعوزين ، وهي غاية تحتاج الى دعم مادي ومعنوي .

الثانية : للاهداف التربوية لهذه المؤسسة التي تلتزم اولا" وثانيا" ودائما" بالمنهج المحدد تأكيدا" على ان الغايات التربوية يجب ان لا تتجزأ بحيث تأخذ اتجاهات غامضة او ملتبسة ، وبحيث لا يتم تسييس التعليم واخذه بإتجاهات تجعل من ابنائنا حطبا" لنيران تصارعنا او تجعل منهم متاريس لحروب او لفتن .

 

انني في هذه المناسبة اؤكد على التزام مؤسسات امل التربوية بالعمل على :

تنمية وترسيخ الايمان بالله اعتقادا" وسلوكا" ، وتقديس كل ما يعبر عن هذا الايمان من الرسالات السماوية  والرسل والائمة والصالحين ، والتمسك بالقيم الاخلاقية والمثل العليا ، وترسيخ الانتماء الوطني والتعلق بأرض لبنان الموحد المستقل ، وفهم تاريخه وجغرافيته وقضاياه في اطار هويته العربية .

 

ان مؤسسات امل التربوية يجب ان تعمل على تعزيز اكتساب اللغة العربية كلغة ام ، والاهتمام بالتراث الانساني المتنوع المكتوب بلغة القرآن اهتماما" ينمي في المتعلم روح الاعتزاز بالحضارة العربية ، ويجعله مؤهلا" لمواجهة محاولة الغاء الخصوصيات الثقافية في اطار العولمة .

كما ان على مؤسسات امل التربوية ان تعمل على اكتساب طلابها اللغات الاجنبية كوسائل للاتصال وكمصادر للثقافات العالمية ، وكذلك امتلاك المعارف العلمية واكتساب التفكير المنطقي والعلمي والتوجه نحو البحث العلمي .

ان رسالة مؤسساتنا يجب ان تتضمن التربية على الديموقراطية كنهج حياة لا كأحداث عابرة في محطات معينة .

ان رسالة مؤسساتنا يجب ان تركز على نشر وعي دستوري وقانوني وعلى احترام المؤسسات وادوارها وعلى تعزيز المشاركة في كل ما ينتج حياة المجتمع والدولة .

 

ايها الاعزاء

 

نلتقي هذا اليوم وانا اكثر تفاؤلا" بالوقائع الداخلية ، حيث تعززت الثقة بالدولة اكثر واكثر وطنيا" وعربيا" ودوليا" بعد انعقاد القمة العربية والقمة الفرنكوفونية في العاصمة بيروت ثمّ فتح الباب امام باريس 2 . 

انني رغم القول بأننا نشهد انفراجات شكلية مقابل ازدياد حدة لغة التخاطب السياسي احيانا" ، الا انني وانطلاقا" من الاحتفال الوطني الكبير الذي توج موقف لبنان تجاه استثمار بعض حقوقه في الوزاني ، والذي كان شاهدا" ان لبنان من اعلى قمة الهرم السياسي الى قاعدته الجماهيرية ، ومن يمينه الى يساره ، ومن الموالين الى المعارضين ، - انطلاقا" من ذلك - اقول اليوم ان لبنان بإمكانه الانتصار لنفسه ساعة الشدة ، وان اللبنانيين في واقع الاختلاف او الائتلاف يسعون جميعا" من اجل ان يكون لبنان واحة للديموقراطية وحديقة للحرية ، وان تجسيد هذا الحلم مر ويمر في كثير من التجارب المعاصرة وبكثير من الامتحانات التي يجب ان يجسد نتيجتها تفسير الحلم على نحو نزيه وعادل ، والوقت والصبر كفيلان والسعي كفيل بتحقيق هذه الهدف .

الا انه ليس بالدعاء وحده يحيا الانسان ، ولا بد من اتخاذ جملة تدابير عاجلة على مستوى المعالجة المطلوبة للسياسات والاجراءات المالية والاقتصادية المتبعة ، بما يؤدي الى اطلاق دينامية اقتصادية تمكن وتوسع خيارات المواطنين مع التأكيد على ضرورة زيادة الضمانات والائتمانات بما ينسجم ومطالب الاتحاد العمالي العام ونقابات المزارعين المختلفة كما ومطالب مختلف القطاعات . 

 

أيها الإخوة

 

ان المرحلة الراهنة تستدعي التأكيد على جملة عناوين عربية ومتنوعة متصلة ببلدنا :

- بداية ، اود ان انوه بأن صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته ادت الى اختلاط الوقائع السياسية والحزبية الاسرائيلية على النحو الجاري ، الا ان هذه الامر يضعنا امام المسؤولية الرسمية الغائبة في مرحلة ما قبل الانتخابات الاسرائيلية ، والتي تجعل من شارون ووزير خارجيتـه نتنياهو ورئيس اركـانـه السـابق مـوفـاز ورئيس اركانه الحالي وقائد استخباراته سلطة قابضة على القرار السياس والعسكري في اسرائيل ، وهو الامر الذي سيفتح شهية هذه الطغمة الارهابية العسكرية على سلوك طريق العدوان ليس على المسار الفلسطيني كما هو حاصل وانما بما يهدد لبنان وسوريا .

- الثاني : ان الانتخابات الاسرائيلية ستعزز اكثر واكثر من قبضة الى " اليمين در " مع النتائج المتوقعة للانتخابـات القادمـة وستؤدي  الى انتاج حكومة على قاعدة المزايدات اليمينة وهو الامر الذي يستدعي زيادة التضامن والتنسيق والتعاون العربي وبصفة خاصة التضامن اللبناني لمواجهة اي استحقاق . 

وبعيدا" عن الأوراق المتداولة وآخرها خريطة الطرق ، فإن الواقع يشير الى مسعى لتمرير خريطة مختلفة ليس للطرق وانما لتقطيع الطرق ، بما يعني ان المنطقة مقبلة على حروب او مغامرات صغيرة او كبيرة ، وان لبنان وسوريا ومنظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ستكون الهدف العملاني المقبل لكرة النـار الاسرائيلية ولمختلف انواع الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية .

 

اني في هذا الامر اقول للواهمين ، ان ما تقوم اسرائيل بتنفيذه هوعملية متدحرجة بعنوان " عملية الخلاص " ، والخلاص يعني الخلاص من الفلسطينين واخراجهم نهائيا" من ارضهم ، واليمين واليسار الاسرائيلي في اطار هذه العملية هما وجهان لعملة واحدة يناوران لحساب نفس الهدف .

هذا في المشهد الشرق اوسطي . اما بالنسبة الى الملف العراقي فإننا ننحاز الى الموقف العربي وفي طليعته الموقف السوري في نزع الذرائع التي يمكن ان تمهد لجعل المنطقة موقعا" للمناورات العسكرية بالذخيرة الحية والتأكيد على مصداقية الامم المتحدة ومنظماتها وفي الطليعة مجلس الامن الدولي في معاجلة القضايا العالمية الساخنة .

 

ايها الاخوة

 

ينعقد هذا اللقاء الرمضاني على مسافة ايام من الذكرى الثانية والثلاثين المتجددة للحركة التصحيحية في سوريا التي قادها الرئيس الخالد حافظ الاسد .

 

اننا في رمضان نحث الذاكرة لاستعادة ان حرب تشرين او حـرب رمضان التحريرية كانت احد انجازات هذه الحركة المباركة .

ان ما يجب ان لا ننساه هو ان سلام لبنان يمثل انجازا" مميزا" لقائد الحركة التصحيحية الذي  لم يترجل جسده عن فرس الحياة ، ولم تغمض عيناه الا بعد ان رأى انتصار المقاومة واندحار جيش الاحتلال الاسرائيلي عن معظم الاراضي اللبنانية .

 

ان ما يجب ان لا يغيب عن بال احد هو ان انحياز سوريا الى لبنان كان من موقع الشقيق وقت الضيق ، ونحن نتذكر الكلمات الخالدة للرئيس حافظ الاسد : نحن الذين نساعد لبنان ، ونحن نريده مستقلا" وقويا" ومستقرا" ومزدهرا" .

 

ان موقف الرئيس الاسد انطلق من معادلة يجب ان يفهمها الجميع وهي ان قوة سوريا هي قوة للبنان ، في نفس الوقت لبنان القوي بناسه ومبادئه قوة لسوريا ، والعلاقة بين سوريا ولبنان هي انموذج يحتذى ، ونتمنى ان تكون لهـا مثيلاتها على الساحة العربية .

ان سوريا التشرينين ، تشرين التصحيح وتشرين التحرير التي تستلهم القائد الخـالد حافظ الاسد ، هي ذات سـوريا القوية المخلصة لمبـادئها ولقضـايا امتهـا بقيـادة سيادة الرئيس الدكتور بشار الاسد .

 

ايها الاخوة

 

بالعودة الى المناسبة اقول : في مدارسنا نبني حضارتنا ومسقبلنا القوي ونضع اجيالنا امام وعي الحقائق ، وهو ما سيمكننا من درء الاخطار عن امتنا وعن لبنان .

 

عشتـم

عاش لبنـان