كلمة الرئيس نبيه بري في حفل تدشين مبنى مدرسة متوسطة بلدة طير دبا الجنوبية


 

رعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الأحد 19/12/1999 حفل تدشين مبنى مدرسة متوسطة بلدة طير دبا، التي أشرف على بنائها مجلس الجنوب. وحضر الاحتفال وزير الثقافة والتعليم العالي وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة محمد يوسف بيضون الذي ألقى كلمة، ووزير الشؤون الاجتماعية ميشال موسى، والنواب السادة: الدكتور علي الخليل، محمد عبد الحميد بيضون، ياسين جابر، سليمان كنعان، علي خريس.
كذلك حضر محافظ النبطية المحامي محمود المولى، رئيس مجلس الجنوب المحامي قبلان قبلان، مدير عام العلاقات الخارجية في المجلس النيابي بلال شرارة، العقيد حسن أيوب، قائمقام صور حسين قبلان ورجال دين ورؤساء بلديات وقيادات سياسية وروحية ونقابية ورياضية وتربوية وحشد من المواطنين.


وألقى الرئيس بري في المناسبة الكلمة الآتي نصها:
 

كلما فتشت في دفاترك وحقولك يا الجنوب، كلما وجدتني أمام مكتبة لا تنضب وأمام معارف لا نهاية لها، وأمام أسرار الدهشة والرغبة والضوء والله.

يا الجنوب، ها أنا ذا أمام امتحان نجمة من نجومك السبعة المعلقة بعنق البر بين النهر والبحر أمام واحدة من قرى العصيان والتمرد والانتفاضات بوجه الاحتلال يوم وقع على ثلثي مساحة الوطن وعلى كل مساحة الجنوب، حتى أقلعت طيور أبابيلك وألقت حجارة أجسادها شظايا شهبا على مرأى من الزمن، وفتح الجنوب مؤسسة الامام الصدر ومدرسة الشجرة أمام أولاده الذين صاروا أساتذة : بلال فحص، وحسن قصير والآخرين فلم يعد الغد يداهمنا بالفزع، ولم نعد نذبح قرب منازلنا ولم تعد مدننا سجونا لغربتنا عن أشجارنا.

يا الجنوب، ها أنا ذا في حضرة علم من أعلامك، وزاهد من زهادك، وثائر من ثوارك.
ها أنا ذا على باب عالم من علمائك المرجع المرحوم الشيخ حسين مغنية الذي جادل العطش والقحط بالصلاة كأني أراه الآن على عين شرغيت والراموح وهو يصلي صلاة الاستقساء فلا يذبل الجنوب ويشتعل ترابه بالماء.

يا الجنوب، ها أنا ذا في طير الذهب التي تنتظر من الدولة مبادرة مديرية الآثار الى اعادة اكتشافها وتحديد معالمها الأثرية، والحفاظ على ما تبقى من تراثها الإنساني ولم تعبث به يد العابثين.

يا الجنوب، ها نحن ذا في طير دبا التي امتدت الى منطقة الناقورة فيها اليد الاسرائيلية كما منطقة حيرام عام 1978، فنقلت منها الكنوز الأثرية براً وجواً دون ان ينتبه المسؤولون آنذاك الى الاحتجاج او الشكوى، لعلهم يفعلون اليوم ولعل ملف سرقة جيش الاحتلال الاسرائيلي للآثار اللبنانية يكون واحداً من الملفات المفترض ان يحملها المفاوض اللبناني.

 

أيها الأعزاء،

مرة جديدة تشرفني رعاية افتتاح انجاز جديد من انجازات مجلس الجنوب يعبر عنه هذا الصرح التربوي الذي من شبابيكه يطل فجر الحرف ماحياً ظلام الجهل، هذا الفجر الذي نريده معانقاً جميع الصباحات التي تنبثق في مختلف المناطق اللبنانية، معلنة ان التربية يمكن ان تحقق ما تعجز عنه السياسة لأنها وحدها يمكن ان تؤسس لانصهار وطني حقيقي.

أقول هذا الكلام انطلاقاً من ايماني بأن للتربية دوراً كبيراً في اطلاق دورة الحياة وبأن التربية وحدها قادرة على اعلان شدو العصافير وشفاه النور وطرد التصحر ليحل مكانه شجر الفكر.

وانطلاقاً من ايماني ان التربية بمفهومها العميق هي صناعة الانسان، قد يتبادر الى أذهان البعض ان العمل التربوي غير مجد على المستوى المادي، وهي نظرة تنم بلا أدنى شك عن سوء فهم لحقيقة التربية. صحيح انها لا تنتج مادياً بالنظرة التقليدية السائدة، الا ان نظرة فاحصة لمسيرة الدولة والقطاع الخاص تجعلنا نكتشف ان ما من مرفق عملي ناجح، وما من ميدان ناجح الا وتأسس على قاعدة ان التربية هي صناعة للانسان، وان التربية باتت صناعة من كبريات الصناعات تتصل بدورة الانتاج والعمل.
وعليه فإن خطة النهوض التربوي يجب ان تؤكد يومياً على :
 

اولاً : احتضان الاطفال بدءاً من سنواتهم الاولى.

ثانياً :إلزامية التعليم حتى يتسنى للناس ان يعلموا ابناءهم واثق ان هناك آلاف الأذكياء الذين لم يتسن لهم ان يكملوا تعليمهم، وهم لو اكملوا لأبدعوا دون أدنى شك...

ثالثاً : توجيه الطلاب وارشادهم ليختاروا ما يتناسب مع رغباتهم وطموحاتهم وقدراتهم فلا تكون الاختصاصات عشوائية، اذ اننا نعلم ان هناك اعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين وذوي اختصاصات اخرى لا يجدون فرص العمل الوافية، وهذا الامر يستوجب تخطيطاً واحصائيات دقيقة، رغباتهم وطموحاتهم وقدراتهم فلا تكون الاختصاصات عشوائية، اذ اننا نعلم ان هناك اعداداً كبيرة من الاطباء والمهندسين وذوي اختصاصات اخرى لا يجدون فرص العمل الوافية، وهذا الامر يستوجب تخطيطاً واحصائيات دقيقة، على ضوئها تبرز حاجة الوطن الفعلية للعدد الحقيقي في كل اختصاص، فلا تعود الشهادات عبئاً على اصحابها بل تغدو سلاحاً ماضياً في أيدي حامليها.

رابعاً : انجاحاً للعملية التربوية، فإن وزارة التربية مطالبة ان تؤمن القدر الكافي من الطمأنينة للمعلم حتى يعطي ويعطي دون قلق على المستقبل ودون خوف مما تخبئه له الأيام.

خامساً : على مستوى المناهج التربوية، من المفيد جداً ان تكون هناك حلقات نقدية موضوعية علمية من حين الى حين، تطرح فيها ابرز المشكلات التي يواجهها المعلمون والطلاب على حد سواء، ثم من الضروري التعاطي بجرأة مع أي تعديل قد يراه المختصون مناسباً.

سادساً : ان الهيئة التعليمية يجب ان لا تقرر وحدها المستوى الذي يمكن تحقيقه، بل ان تأخذ بعين الاعتبار دور الأهل من خلال التنسيق مع المعلمين ومراقبة عملية التطور لدى الطالب من شهر لآخر ومن مرحلة لأخرى.

سابعاً : مع الهيئة التعليمية والأهالي والمناهج، لا بد من أبنية مدرسية حديثة تغطي المناطق اللبنانية فتسد الحاجة لتؤمن اكتفاء دون تمييز بين منطقة واخرى.

ثامناً : هذه الابنية المدرسية تبقى بدون قيمة ما لم يتم تجهيزها كاملاً لتفي بالغرض المطلوب، فتغدو قادرة على تحقيق الغاية من المناهج المحدثة.
 

أيها الأعزاء،

يسرني ان انقل لأهلي في الجنوب والبقاع الغربي تحيات البرلمانيين العرب الذين اجتمعوا في المجلس النيابي اللبناني في مطلع هذا الاسبوع وفخرهم واعتزازهم بمقاومتكم وصمودكم الرائعين والذي يفرض على العدو المحتل التفكير يومياً بطريقة خروجه من لبنان.

ان البرلمانيين العرب، اكدوا على مواقفهم الثابتة الداعمة للبنان وسوريا وعلى سيادة البلدين الكاملة حتى حدودهما الدولية الثابتة، وعلى رفض كل الابعاد المائية والاستراتيجية لعدوانية اسرائيل وأطماعها.

لقد لمسنا ان البرلمانيين العرب أقوياء بمقاومة لبنان وبممانعة سوريا، واننا تحدثنا سوياً بجرأة وصراحة ووضوح وحكمة حول كل العناوين العربية، واكدنا على الأدوار البرلمانية تجاه تطوير صيغ التضامن العربي وصولاً الى التأسيس مبدئياً لتفسير أحلامنا بإنشاء برلمان عربي موحد، واكدنا سوياً على خطوة مصالحة انماط سلطة مجتمع الرجل العربي مع المرأة، وأيّد البرلمانيون العرب التوصية التي قدمناها بهذا الخصوص.

ومن منطلق تأكيد البرلمانيين العرب ان السلام حاجة عربية خصوصاً للدول التي وقعت في دائرة مشروع اسرائيل وعدوانيتها، فقد دعونا جميعاً الى التنبه والحذر الشديدين، لأن صناعة السلام تحتاج الى دقة وحكمة بالغتين والى خطوات واثقة على أرض واضحة.
 

انطلاقاً من ذلك ايها الاعزاء أقول لكم : ان طريق جهنم معبدة بالنوايا الحسنة. لذلك علينا ان نتحلى بأعلى درجات الحذر والانتباه للافخاخ التي قد تكمن في كل كلمة، وان نكون اكيدين من عدم تكرار المعاناة على مساحة أرضنا وشعبنا ومن انتهاء مسلسل الفضائح والارتكابات والدماء والموت الذي تسببت به اسرائيل طيلة ستة عقود.

ان المسألة على هذا المسار او ذاك لا تتوقف عن حدود تراجع العدوانية الاسرائيلية وخفض سقف التوترات ووقف سباق التسلح، انما بضمان وجود استجابة سريعة وفعالة لإمكانية تعريض اسرائيل السلام والأمن في المنطقة لأي خطر في أي وقت ولأي سبب.

اننا نريد سلاماً يوفر لبلدنا استعادة حياته، والفرص التي أهدرتها اسرائيل، في محاولة لإلغاء لبنان كمنافس محتمل لها وتحويله الى هامش لفضلات التسوية وقتل كل امكانية لدى بلدنا لاستجابة للمستقبل.
 

وأقول ان لبنان الذي انتصر في معركة اعادة تصميم وجوده بفضل المخلصين لوطنهم وبفضل سوريا وتضحياتها سيكون حريصاً مع سوريا على تشييد بنيان سلام عادل وشامل تحت مظلة القرارات الدولية.
 

أيها الأعزاء،

ان ما يجب على الدولة ان تكون مستعدة له سواء توجت المرحلة القادمة بتسوية او اذا لم تتوج هو الاستمرار باعتبار الجنوب والبقاع الغربي أولوية وطنية، ودعم واطلاق مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية على مساحة المنطقتين، وعدم الاستمرار في اعتبار مجلس الجنوب عكازة رسمية مؤقتة وتجاهل السابقة واللاحقة، لأن إنشاء هذا المجلس ووصوله ليكون المؤسسة الرسمية الحاضرة الناظرة في حياة الجنوب كان واحداً من مطالب الامام الصدر وكان تلبية لحاجة ضرورية وملحة.

أيها الأعزاء،

كما في كل مدينة وقرية ودسكرة جنوبية فإننا ندخل العناوين والبيوت من أبواب مدارسها ومن أبواب تنميتها.
اننا لن نتوقف عن انجاز هذا الصرح التربوي او شبكات المياه والطرقات او تحقيق مجلس بلدي لطير دبا واخواتها بل سنستكمل رسالتنا وصولاً الى الرسالة والدور الذي يجب ان يكونه لبنان.
 

عشتم
عاش لبنان
 

وفي نهاية الاحتفال، أزاح الرئيس بري الستارة عن اللوحة التذكارية لتدشين المدرسة.

 


أعلى الصفحة | اتصل بنا |

حقوق الطبع محفوظة 2003 ©

أنجز هذا الموقع الفريق الفني في مصلحة المعلوماتية - مجلس النواب اللبناني