أقام السفير اللبناني في فرنسا بطرس عساكر مساء أمس حفل إستقبال لرئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بــّري و الوفد المرافق بمناسبة زيارته لفرنسا و عيد الإستقلال تحول إلى تظاهرة حاشدة قل نظيرها في مثل هذه المناسبات شارك فيها أكثر من 3 آلاف من أبناء الجالية اللبنانية من مختلف الأطياف و الإنتماءات و حضرها السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون و عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في باريس ومسؤولين فرنسيين .
و القى السفير عساكر كلمة رحب فيها بالرئيس بري مشيداُ بدوره و مواقفه الوطنية.
ثم ألقى الرئيس بري الكلمة الآتية:
كلمة الرئيس نبيه بــّري
قلت لسعادة السفير إذا أحيينا عيد الإستقلال قبل 25 بوماً من موعد هذا العيد يمكن جداً أن يقولوا أننا أخذنا إستقلالنا باكراً،على كل حال إننا نثبت كل فترة أننا نستحق هذا الإستقلال.
من لبنان الذي يزدهر برائحة التراب المغسولة بأول دمعة من العيون الشتوية .
ومن لبناننا الذي يستمر يمشي طريق جلجلته ولا يتعب ، ولا يصل الى حيث يريدون دق المسامير في اكف احلامنا ، والى حيث يريدون تعليقنا على صليب كوابيسهم .
من لبناننا الذي علامته الفارقة التعايش ، ورسالته التسامح والمحبة ، وقوته الحق والحق ورقة في كتاب تاريخه لا يمكن ان تسقطها رياح الخريف .
من لبناننا اغاني الاطفال في افتتاح صباح المدارس وهديل الحمام على شرفات الدور وموانىء الفضة .
من لبناننا مرآة الشرق التي ترى النساء في ترابه صورة حنانهن والذي يزدهر في حدائقه الرجاء وعناقيد الياسمين .
من لبناننا الفكرة والفرح والضوء والحب ، ومن فخامة رئيس البلاد ومجلس النواب والحكومة الف تحية الى هذا اللقاء الوطني بعنوان الاستقلال والذي اتشرف بحضوره مع الوفد المرافق الى جانبكم .
اود بداية ان اشكر سعادة سفير لبنان بطرس عساكر على كل الجهود التي بذلها للاعداد لهذه الزيارة وعلى هذه الدعوة بصفة خاصة ، وعلى انتباهه الشديد لكل حركة او همسة تتعلق بلبنان في كل المهمات التي تولاها منذ ان تعرفت اليه في روما قبل سنوات خلت الى موسكو الى الخارجية ثم باريس . بداية لا بد من توجيه الشكر الى فخامة الرئيس ساركوزي و إلى صاحبي الدولة الرئيس جيرار لارشيه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي والرئيس برنار اكواييه رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية على اتاحة الفرصة لي لزيارة هذا البلد الصديق وبحث القضايا المشتركة التي تهم البلدين .وفي البداية ايضا" لا بد ان اتقدم بالشكر لفرنسا على دعمها اليومي المستمر للبنان ، وهو الدعم الذي نريده متفهما" لرأي كل الاطراف لكي يؤدي هدفه في دعم استقرار النظام العام وترسيخ السلم الاهلي .
واتقدم بالشكر لفرنسا على دعمها الذي تميز عبر انعقاد مؤتمرات باريس1 و 2 و 3 وعبر المساعدات الفرنسية للنهوض الاقتصادي في لبنان وعلى المساعدات التنموية الموجهة .
كما اتوجه بالشكر لفرنسا على المساعدات العسكرية والفنية للجيش اللبناني والمشاركة الطليعية للقوات الفرنسية في قوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان ( اليونيفيل ) ، وهي مساعدة تشير الى رغبة فرنسية دائمة في تحصين لبنان ودعم استقراره وترسيخ السلم الاهلي فيه والحفاظ على صورته وحضوره ودوره في نظام منطقته وضرورته اللبنانية والعربية والدولية .
ان هذا اللقاء فرصة طيبة لشكر المساعدات الفرنسية ذات الطابع الاقتصادي والتنموي والمالي ، وتوجيه عنايتكم الى ان المجلس النيابي اللبناني قام بكل المطلوب منه منذ مؤتمر باريس 1 الذي كان تأسيسيا" ، حيث قونن لما بعده وشرع كل النقاط التي كانت مدرجة على جدول اعمال اجتماعات هذا المؤتمر والمتعلقة بلبنان .
واعيد الى ذاكرتكم اننا في اعقاب باريس 1 حولنا مجلس النواب الى ورشة تشريعية ، وبالرغم من عدم شعبية قانون الضريبة المضافة فقد تحمل مجلس النواب مسؤولياته في اصداره ، الى جانب تحرير قطاع الاتصالات وقانون الكهرباء والقانون الخاص بالرقابة على تبييض الاموال ، وهو ما مكن الحكومة من الذهاب الى باريس 2 وفي يدها ملف قوانين وضعته على الطاولة .
اليوم نقول اننا نتبنى اضافة الى مقررات باريس 3 عددا" من المبادرات في طليعتها اقرار قانون النفط والعمل من اجل ترسيخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وقد تقدمت كتلتنا النيابية بإقتراح القانون بهذا الخصوص الى مجلس النواب انطلاقا" من اننا نؤمن ان القطاع العام لا
يستطيع وحده ان يملأ الفراغ في الكثير من قطاعات الخدمات ، وهو يحتاج الى القطـاع الخاص لاجل الاستفادة منه في التمويل وحسن الادارة والحيوية .
ايها الاعزاء ،
اراد الرئيس الشيهد رفيق الحريري ان يستعيد الق لبنان وان يراه وقد عاد ليكون سويسرا الشرق مزدهرا" ببشره وشجره وحجره ، الا ان الايدي والجهات التي تريد شرا" بلبنان اغتالت هذا الحلم .
اننا جميعا" في لبنان ، كل القوى السياسية والبرلمانية تريد الحقيقة والعدالة ولأننا كذلك فإننا نرفض الاستمرار في حرق الوقت وصرفه على النحو الذي جرى تحت ستار التحقيقات التي استبعدت في اساسه الكثير من المستفيدين من الجريمة ، من اجل وضع لبنان امام احتمال الفوضى والفتنة ومنعه من ان يكون منافسا" اقتصاديا" في نظام المنطقة ، وجعله رصيفا" للاجئين في اطار مشروع الترانسفير الجديد الذي بدأت معالمه عبر مشروع التعديلات على قانون المواطنة الاسرائيلي ومشروع يهودية الدولة .
بالنسبة الى الوضع السياسي فإنني ورغم التوترات السياسية والمتنوعة والتي يجري تسليحها لايقاع لبنان في آتون الفتن ، فإني اؤكد لكم ان لبنان لا يمكن ان يعود الى الوراء ليتقابل على خطوط تماس ، ولن يحتكم الى حروب استتباع صغيرة او كبيرة ، وان مشروع الدولة في لبنان سينتصر حتما" ، وان اشقاءنا العرب وفي الطليعة سورية والسعودية سيستمرون في اقامة مظلة امان عربية فوق لبنان ، وكذلك اصدقاءنا في الجوار الاقليمي الاسلامي وفي الطليعة ايران وتركيا ، وهذا ما يؤكد ضرؤرة سلوك خارطة عنوانها عنوانان:العدالة و الطائف.
بالنسبة الى الوقائع الاقتصادية لا بد ان اصارحكم ببعض الوقائع التي لا اشك ان الكثيرين منكم يعرفونها بحكم اعمالهم .
ان تقارير خبراء الاقتصاد والمال تشير الى ان حجم الدين العام الذي يبلغ 53 مليار دولار على الناتج المحلي الذي بلغ 37 مليار دولار في حده الاقصى اي نسبة مئة وثلاثة واربعين ( فاصل ) اربع وعشرين بالمئة هي اعلى النسب في العالم بعد اليابان وزيمبابوي وهذا مؤشر خطير لا يوحي بإستقرار مالي ، ويسبب المزيد من الضغوط على الفوائد وصعوبة في قدرة القطاع الخاص على الاستدانة والاستثمار ، وتعطيلا" لقدرة الاقتصاد على النمو واستحداث فرص العمل
ان ما يجب توجيه عناية لبنان المقيم والمغترب والحكومة والمجلس واصدقاء لبنان اليه هو ، ان المشكلة المركزية الاهم في مالية لبنان العامة هي ارتفاع وتيرة الدين العام .
انني بإسم لبنان الرسمي والشعبي ومن دون مشاورات اناشد اشقاء لبنان واصدقاء لبنان المبادرة الى شطب ديون لبنان الذي ادى ادواره عبر التاريخ في خدمة الانسانية ، وصدّر الحرف ووقف على طريق التجارة البحرية انطلاقا" من ممالك شاطئه حارسا" للاقتصاد العالمي .
ان سبعة واربعين بالمئة من ايرادات موازنتنا تذهب لخدمة الدين العام
لقد استدنا على حاضرنا وعلى مستقبل اولادنا ، ونحن نحاول ازالة اثار الحرب الاهلية وحروب اسرائيل والنهوض بإقتصادنا،حروب إسرائيل عام 78 و 82 وعام 93 و 96 و 99 و عام 2006 .
أي دولة في العالم ممكن أن تتحمل كل هذه الحروب و تبقى واقفة لولا أنكم عائلة واحدة .
اننا وفي هذه اللحظة السياسية نستحق مبادرة دولية وعربية لمسح الديون ، والا فإن الوقائع الاقتصادية ستبقى تضغط على لبنان وتفتح ابوابا" لاموال تشغيلية لتغذية الارهاب والجريمة المنظمة وتبييض الاموال .
ان هناك عجـزا" كبيرا" في الموازنة يصـل الى ثلاثة مليـار دولار ( فاصل ) ، وهذا العجز يزيد من اصل الدين العام ، كما ان هناك عجزا" في الميزان التجاري هو من اكبر النسب في العالم .
ان ما يغطي هذا العجز هو تحويلات المغتربين والمستثمرين والمساعدات من بعض المؤسسات الدولية ، مع الاشارة الى تأثر هذه التمويلات بالاوضاع الدولية و في المناطق التي يوجد فيها مغتربون
ان الاقتصاد اللبناني يعاني اضافة الى الازمة المالية ازمة اقتصادية ناتجة عن شلل القطاعات الانتاجية و عدم تنفيذ القوانين: بدأت إسرائيل بإستخراج النفط حتى من مياهنا "الملتبسة" –حسب زعمهم- و رغم صدور قانون النفط منذ أشهر لم يصدر مرسوم واحد بإتجاه إستخراجه .
ايها الاعزاء
امام هذه الصورة قد تبدو صورة المعالجات معقدة ، ولكن
ودائما" اذا حافظنا على وفاقنا ووحدتنا وعيشنا المشترك واطارنا الحياتي الفريد ، وبمعنى اوضح اذا حافظنا على استقرارنا السياسي والامني والنقدي والضريبي ، واساسا" الاستقرار القانوني ومضافا" الى ما تقدم مناطق الاستثمار ، فإننا سنشهد قيامة اقتصادية للبنان تعيده الى عصره الذهبي ودون ذلك فإننا سنبقى نعيش في دولة التقنين و الفتن .
أخيرا" لا بد من ان انوه بالثقة التي استقطبتها المصارف والنظام المالي في لبنان خصوصا" في واقع الازمة.
ونود ان نشير كذلك الى ان لبنان سجل اداء جيدا" في عدد من القطاعات ( العقار والسياحة ) التي كانت في العديد من الدول عرضة لتداعيات الازمة العالمية الكبرى .
ايها الاعزاء
لقد خصصت الواقع الاقتصادي والمالي بمعظم هذه الكلمة لأنني اتحدث بمناسبة الاستقلال في المكان المناسب : اجتماع اللبنانيين في احد اهم العواصم الدولية باريس ، والوقت المناسب الذي تتواصل فيه المحاولات لتحويل انظار اللبنانيين عن الازمة الحقيقية ، في ما تعد اسرائيل لحرب مدمرة ضد لبنان المنافس الاقتصادي الوحيد المحتمل لها في نظام المنطقة و القمر الوحيد الذي لا يعكس نجومها بإنشاء دويلات طائفية ، بلد ال 18 مذهباً ، بلد الحوار و مختبر الحوار وكذلك عبر محاولة احتكار الثروة النفطية والغاز الموجود في
البحر المتوسط وحرمان لبنان من حقوقه كما فعلت لسنوات طويلة بحرمانه من حقوقه المائية التي حافظنا عليها في الوزاني بقوة مقاومتنا وجيشنا والتي نستعد للاستثمار عليها في الليطاني انطلاقا" من مشروع ري جنوب النهر وتحقيق حلمي كبير مهندسي العرب الشهيد ابراهيم عبد العال وحلم احلام الامام الصدر في فتح كتاب الماء .
اخيرا" بالنسبة الى المشهد الشرق اوسطي فإني لا اخفي عليكم ان اسرائيل تستخدم المفاوضات لكسب وقت لتنفيذ استراتيجيتها تجاه شطب حقوق الفلسطينيين ، والاستعداد للدفع بالامور على المسارين اللبناني والسوري نحو حرب جديدة للانتقام من نتائج حرب 2006 والتي آلت الى فشل استراتيجي كامل لاهدافها الاسرائيلية .
ان البعد اللبناني للمفاوضات واستتباعاتها والاستعدادات الاسرائيلية سواء المناورات او الحرب تستدعي الاهبة الوطنية ودائما" الوحدة الوطنية ، بل المزيد من الوحدة لمواجهة اي تحد او استحقاق ، وهذه هي رسالة الاستقلال ، واجدد القول الوحدة هي رسالة استقلال لبنان .
عشتم
عاشت فرنسا
عاش لبنان