2-11-2007
الجمعة 02 تشرين الثاني 2007
4-11-2007
الأحد 04 تشرين الثاني 2007

خطاب الرئيس في صديقين

home_university_blog_3

كلمة الرئيس نبيه بري في افتتاح مدرسة صديقين 3/11/2002


 

      بسمه تعالى   

      هي بين بين  

      بين مكان الحزن وزمان القلق 

      بين الدخول الى صباح التبغ المـر، وبين الخـروج من مساء القلق 

      بين ساحل الحب وجبل الحرب 

      هي آخر كلمات نشيد الطريق الذي يأخذكم الى البحر واول كلمات نشيد طريق البر الذي يأخذكم الى قلاع جبل عامل .

      هي نشيد الصدق ، مكان الالوان المتواضعة والفلاحين الممتلئين بنعمة الاخلاص .     

     وهي الحلم الذي يختبىء خلف الطريق الذي كان يسلكه البكوات الى معاناتنا ، فلم ينتبهوا اليها ولم يلتفتوا اليها ولم   يدخلوا بيتا" من بيوتها . 

      كانت كأنها آخر الاشياء او كأنها آخر الكلام ، او كأنها نقطة غير منتبهة على سطر الطريق .  

      اول من انتبه الى ان صديقين زهرة تبغ على طريق الامل كان الامام الصدر . 

      انتبه الى البيوت التي تختبىء خلف اصابعها على جانبي الطريق الصاعد الى كروم المقاومة .

      انتبه الى الناس التي تفتح نافذة على البحر ، وبابا" واسعا" على البر .

      انتبه الى الناس ، الى فحم ثيابهم والى النحل الذي يمتص ورود حرمانهم .  

      انتبه الى قمح اياديهم والى زيتون عيونهم ، وطرق ابوابهم .

      وحـده الامام الصدر لـم يسبقه احـد الى الانتباه الى ان ابا ذر الغفاري بارك صديقين فمشى اليها مرتين ، سار في شوارعها الضيقة المحرومة حتى من الاسفلت ، ووصل الى بيت بيوتها منزل المرحوم الحاج فايز بلحص وهناك استمع سماحته الى قصة الحرمان الكبير .

      كانت مدرسة صديقين غرفا" متناثرة ، وكان طلابها ينتقلون في الحواكير من صف الى صف .

      وكانت وصية الامام الصدر لنا لن نقبل بأن يبقى محروم واحد او منطقة محرومة .

      وها انا ذا انفذ عهد الامام الصدر بإفتتاح هذه المدرسة التي انجز بناؤها مجلس الجنوب ، وهو انجاز يضاف الى السجل الذهبي لهذه المؤسسة الوطنية التي يسعدني ان انوه بنشاطها المزدهر ، الذي يؤسس لتحرير الانسان وازدهاره بعد تحرير الارض .

      ان افتتاح هذه المدرسة يشكل جزءا" من عمل مستمر دؤوب لازالة الحرمان واثاره ومن خطة متوازية للتنمية الشاملة ، يجب ان تشمل جميع المناطق المحرومة من البقاع الى الشمال وعكار ، واعالي كسروان وجبيل ومناطق الشوف والجبل وضواحي العاصمة .

      ان افتتاح هذه المدرسة هو هدية بسيطة مقابل التضحيات الكثيرة لابنائكم ولشهدائكم الذين سقطوا على مخلتف محاور الدفاع عن الوطن ، وفي طليعتهم الشهيد علي حسين عزام الذي سقط دفاعا" عن بنت جبيل على تلة مسعود عام 1977 وعلي خليل بلحص وحسين حسن بلحص وسليمان علي بلحص واحمـد عزام

      وغيرهم وغيرهم ، وصولا" الى شهداء مجزرة قانا حيث سقط من ابناء هذه البلدة واحد واربعين شهيدا" ، منهم اربعة عشر من ابناء الشهيد الحي الحاج سعدالله بلحص .

     ان هذا المشهد الشهيد يستدعي حث ذاكرة المجتمع الدولي لوضع حد للمجازر الاسرائيلية التي ترتكب كل يوم في فلسطين المحتلة ، والتي حولت المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية الى حقل رماية للدبابات وطائرات الاباتشي الاسرائيلية.

      ان احدا" في العالم يجب ان لا يقبل بهذه الوحشية الاسرائيلية المتمادية .

      ان الافا" من الفلسطينيين قد اصبحوا بلا مأوى ، وقد دمر الجيش الاسرائيلي النظـامي ما يزيد على ثمانية الاف وحدة سكنية ، ويقوم اليوم بتفريغ قرى فلسطينية بأكملها من سكانها .

      ان المجتمـع الدولي يجب ان يقدم التزاما" صريحا" وواضحا" ، وان يثبت قدرته على حماية المدنيين ووقف الارهاب الاسرائيلي .

      اننا من جنوب لبنان نطرح على صانعي القرار الدولي اسئلة عن مكافحة الارهاب ونقول : كيف يمكن لنا ان نقنع الحاج سعد الله بلحص مثلا" بحقيقة الحرب الاميركية على الارهاب ، وهو يرى بأم عينيه ان نفس مجرمي الحرب الاسرائيليين الذين يشكلون سلطة القرار في اسرائيل ، والذين يواصلون ارتكاب المجازر ، يجري استقبالهم في البيت الابيض؟

      كيف ترانا نستطيع ان نتمكن من اقناع الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيل ،ا وكيف نستطيع اقناع ابناء العاصمة بيروت والمواطنين اللبنانيين بصوابية الحرب الاميركية على الارهاب ، وباللامنطق الاميركي الذي يتحكم بالملف العراقي ، وهم يرون ان الرئيس الاميركي بوش يستقبل السفاح شارون في البيت الابيض ؟

      ان المعايير المزدوجة في تطبيق القرارات الدولية وفي مكافحة الارهاب ، والتي تجعل من اسرائيل استثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية تجعلنا لا نشك فحسب بدوافع صورة الحركة العسكرية والدبلوماسية الاميركية عبر العالم وخصوصا" في الشرق الاوسط فحسب ، بل تجعلنا متأكدين ان لهذه الحركة ابعادا" ابرزها السيطرة والهيمنة .

      اننا من صديقين الضحية الكبرى لمجزرة قانا التي ارتكبت تحت علم الامم المتحدة نقول للولايات المتحدة ، ان الدليل الوحيد الذي يقنع العرب والمسلمين والمسيحيين بان الولايات المتحدة لا تعمل على الاطاحة بالنظام الدولي المحكوم الى القواعد التي ارستها الامم المتحدة ، وانها لا تعمل لتفكيك النظامين العربي والاسلامي ، هو اتخاذها لخطوات ملموسة لوقف الثور الاسرائيلي عن تحطيم حديقة الخزف الفلسطينية ، واخراج الجيش الاسرائيلي من المناطق الفلسطينية، وفك الحصار واعادة اعمار مخيمي جنين ورفح .

     

      ايها السادة

      ان الوسيلة الوحيدة لاقناعنا بان الولايات المتحدة متمسكة بقيم العدالة والديموقراطية والشفافية في السياسة الدولية ، هي بأن نلمس بأنها مهتمة بدعم لبنان في الاستثمار على موارده المائية ، وبرفع التهديدات الاسرائيلية في هذا المجال .

      ان اسرائيل تغطي السماوات بالابوات كما يُقال وتقوم بتلفيق الاكاذيب في موضوع المياه من اجل اثارة التوتر ، وفي هذا الاطار فإنني احذر من ان اسرائيل قد بدأت بتحريك ازمة مياه مفتوحة على مساحة المنطقة ، انطلاقا" من محاولة استدرار عطف المجتمع الدولي عبر الشروع بتوقيع اتفاق لشراء خمسين مليار متر مكعب من مياه على مدى عشرين عاما" من نهر (ماناغفات ) التـركـي .  

     وحقيقة الامر انه لا يكاد يمضي يوم واحد دون ان تحرك اسرائيل قضية استغلال لبنان لجزء من موارده المائية ، وتحاول ان تقطع الطريق على الاعلان الذي اطلقته باسم كل لبنان بأن لبنان سيضع مخططا" شاملا" للاستثمار على موارده المائية .

      وعلى الجانب الفلسطيني فإن اسرائيل تواصل نقض كل العهود الدولية ، عن طريق حرمان الفلسطينيين من استغلال المياه بكمية وجودة وثمن يلائم كل انسان .

      فالمعلومات الواردة من فلسطين المحتلة تؤكد وجود واقع لا يطاق ، حيث يوجد مئتان وواحد وثمانون تجمعا" شعبيا" قرويا" فلسطينيا" غير موصولة بشبكة المياه ، وهناك ما يزيد عن مئتي الف فلسطيني يعتمدون على نقل المياه بواسطة الصهاريج ، علما" ان سياسة الحصار والاغلاق الاسرائيلية ادت الى تقلص كميات الميـاه المنقـولة الى ما دون الحد الادنى المطلـوب للفـرد ،  

      هذا مع العلم ان السياسات الاسرائيلية المطبقة ضد المواطنين الفلسطينيين حرمتهم من موارد رزقهم ، وبالتالي جردتهم من امكانية دفع ثمن كميات المياه المحدودة المنقولة التي تصلهم .

      وفي نطاق المياه في الاراضي العربية المحتلة لا حاجة للتذكير باستغلال اسرائيل لموارد المياه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة ، وكذلك مساقط المياه والينابيع والمياه الجارية في الجولان العربي السوري .

      ان اسرائيل تحاول استغلال سعي الولايات المتحدة الاميركية خفض سقف التوترات المحيطة بالملف العراقي ، وابتزاز الموقف الاميركي والدولي من اجل تكريس مخططاتها المائية ، وتحقيق العائد المائي الذي هدفت اليه خلال حروبها ضد العرب .

      مرة جديدة وبما يخصنا نقول اننا لن نقبل التفريط بقطرة ماء كما بذرة تراب من ارضنا .

      واننا وتحت سقف الامم المتحدة مصممون على تحديد حقوقنا المائية دون اي لبس .

     كما واننا نطالب الحكومة اللبنانية بإعداد ملف تعويضات للمواطنين اللبنانيين الذين اجبرتهم سلطات الاحتلال الاسرائيلية طيلة عشرين عاما" ، وقبل الخامس والعشرين من ايار 2000 على دفع بدل اشتركات مياه لشركة ميكروت الاسرائيلية ، والتي كانت تستغل المياه الجوفية اللبنانية وشبكات المياه اللبنانية لبيع المواطنين اللبنانيين مياه لبنانية .

     وبالعودة الى مناسبة الاحتفال والمسألة التربوية ، فالتربية عامة ، ومؤسسات التعليم منها بخاصة ، بحاجة الى نظرة فاحصة شاملة ، من اجل رفع كفاية التعليم ، حيث ينبغي معالجة اسباب الضعف في عناصره الرئيسية : السياسات والاهداف، المعلم ، المنهج ، الكتاب والادارة . هذا يعني ضرورة تمكين المؤسسات التعليمية من الريادة من خلال تطوير عناصر التربية جميعها .

      ان ابرز المشكلات فيما يخص المناهج هي :

      أ -   عدم توفير مختصين في تخطيط المناهج وتطويرها

      ب - عدم قدرة المناهج والكتب المدرسية على ملاحقة الجديد ، نتيجـة التفجر المعرفي من ناحية ، وتوسعها من ناحية اخرى ، اذا احتوت المناهج على الجديد منها .

      ج - عدم المواءمة بين العبء التعليمي والكم المنهجي .

 

      اما على مستوى الادارات ، فإن هناك ازمة تعبر عن نفسها في ثلاثة ابعاد هي :

     أ -   قصور الادارات التعليمية سلفا" عن مواكبة التطورات الحاصلة في التعليم واتجاهات سياسته خلال السنوات الاخيرة .

      ب - ُبعد هذه الادارات عن مجرى التطور في علوم الادارات والتكنولوجيا الادارية الجديدة ، ورغم الملاحظات الكثيرة والعميقة فإن ضوءا" تفاؤليا" ينبثق عبر قنوات الارادة والاخلاص والمثابرة خصوصا" مع الهمة العالية التي يبديها الصديق معالي وزير التربية عبد الرحيم مراد . 

 

     انني في هذا المجال اذكر بما اشار اليه احد اعلام التربية ، من انه اذا كانت التربية قد اثبتت قدرة محدودة على بناء هذه الامة وصياغة مستقبلها وفق آمالها ، فليس معنى ذلك ان التربية في المستقبل القريب والبعيد لا يمكنها ان تضاعف قدرتها على البناء وصنع المستقبل اللاحق بالسرعة المرجوة وفي الاتجاه السليم .

      والتربية اذا اخلص لها النظام السياسي في حرية ، وديموقراطية ، واخلصت هي له على بصيرة ، يمكنها ان تضاعف من قدرتها على التغيير ، وان تصحح مسارها ، وان تعوض ما فاتها ان تقدمه للوطن والمواطن في عقود سابقة .     

     ان التربية القادرة على صياغة المستقبل هي التي تغرس المفاهيم الصحيحة ، يدركها افراد المجتمع وتتوجه حياتهم على هدى هذه المبادىء والمفاهيم ،  من :

     1 - استيعاب القيم الحقيقة والخطيرة للزمن والوقت والعمر ، اذ لا مستقبل لفرد او امة لا يؤرقها الوعي بالوقت ، بل لم تضع نفسها على اول طريق هذا الوعي .

      2 - رغبة في العلم قبل العملية التعليمية ، ومواكبة لها ، فلا قدرة للمتعلم على التعلم دونما محبة له .

 

      ويهمني ان اشير الى ان الادبيات الحديثة في التربية تؤكد على ضـرورة ربط التعليم العام في اهدافه ومناهجه بالتنمية الثقافية ، واتخاذه وسيلة الى غاية كبرى ، اهم ما فيها تحرير الطاقات العقلية والاجتماعية والوجدانية لجميع من ينتظمون في التعليم .

      كما يهمني ان اشير الى ان التعليم العام وسيلة الامة لتأكيد هويتها الثقافية وهذا لا يعني الانغلاق الثقافي .

     كما ان تجديد الهوية الثفافية لا يعني التبعية التربوية او ذوبان ذاتية الثقافة الوطنية في الثقافات الاخرى ، تحت شعارات التجديد او التحديث او التطوير او العصرنة ، ولكن يعني ان تحتفظ الثقافة الوطنية والعربية بخصوصياتها ، وان تواكب في الوقت ذاته متطلبات التطور المعاصر الذي احدثه الانفجار المعرفي والثورة التقنية وثورة المعلومات .

     ختاما" اننا نريد للتربية ان تكون على مستوى الجنوب المغسول بعطر الشمس والشهادة ، هذا الجنوب الذي اطلق اجنحة المعرفة الى ارجاء الدنيا ، كما اطلق عشقه الابدي لصباحات الحرية ، فكان ان قاوم على مر التاريخ مختلف انواع الاستعمار ثم ابدع في صناعة حدث تاريخي كبير ، اذ قهر العدو الاسرائيلي معلنا" بدء العصر العربي المقاوم .

      نريد للتربية ان تزدهي في كتاب الجنوب ، حيث الجراح جمر في عيون الغزاة ، والسهول امام المقاومين سجادة صلاة، الاودية شرايين القرى ، عبرها يضخ الفلاحون حبهم وتشبثهم بكل ذرة تراب ،

      كتاب الجنوب هذا ، تحط على ارضه الكلمات عطشى ، فتطير مبللة بالحب والعطاء والحرية الى كل لبنان .

 

                                    عشتم

                                    عاش لبنان  

 .