قبل
عامين، عندما مشى جبران تويني إلى رؤوس أصابع التراب، إلى جنازته، تطلعت بحسرة إلى
اللغة والكلام، ولسان حالنا، وهو ينزف دماً، وقد توقف قلب المعنى عن الخفقان.
وحتى
هذه اللحظة، ما زال الموت المتربص بشمس نهاراتنا وبقمر ليالينا، لا يريد أن يدعنا
وحالنا، لكأنه يخاف من الحبر أن يفضحه، وأن يشتكيه، ويقول انه – الموت – الذي
يخافنا يقتلنا من فزعه منا حتى نتوقف عن بذار الحياة الكثيرة في أرضنا الطيبة.
قبل
عامين انفجر جبران تويني، كأنه صرخة في برية الله تستدعي الحرية، وتستدعي ان يعود
لبنان حديقة للحرية، وتنكر أن بعضنا يقف في نصف المساحة المعتمة من الليل، بينما
يقف بعضنا الآخر في نصف المساحة المضيئة من النهار.
يعرف
جبران تويني الشهيد، أنني كنت أزف إليه البشائر حيناً، وحيناً أنزف إليه وجعي من
أننا في لبنان لا نريد أن نغادر جهاتنا والتزاماتنا وطوائفنا ومذاهبنا إلى إسلامنا
ومسيحيتنا، وإننا كنا أضعف من أن نحمل لبنان رسالة المحبة والتسامح لنجعل منه قيمة
عالمية وأنموذجاً لحوار الحضارات والأديان.
أعرف
أن جبران تويني كان صديقاً لدوداً، وكان كاتباً مشاكساً، متحدياً بطبعه، ولكنه كان
صديقاً محباً وكاتباً هبط علينا من كوكب "النهار" حيث استودع حبره. جبران أمانة
لبنان الكلمة في وصيته إلى غسان، وحيث كان غسان يربي جبران على خبز تلك الكلمة:
لبنان.
الآن
بعد عامين، نحن على قاب قوسين أو أدنى من الوطن، حيث بات كل واحد منا يعترف بالآخر،
وحيث باتت المشاركة في كل ما يصنع حياة المجتمع والوطن اقتناعات وطنية عسى أن لا
ننكر ذلك ثلاثاً قبل صياح الديك.
بعد
قليل من الآن، ربما بعد حين، سنأتي إلى مشتل دم جبران حيث يزدهر الضوء بالنهار من
أمل نكتب بيراعه لبنان صريحاً مثل السلام.
وكانت
تربط الرئيس بري بالنائب تويني علاقة خاصة، فقد أوردت "نهار الشباب" في عددها الخاص
أيضاً هذه الكلمات:
"...
وقبل استشهاد تويني دخل مع الرئيس بري في حوار صريح ساده جو من الإلفة. وخاطبه
تويني بالآتي بحسب قول الرئيس بري: "إنتبه إلى نفسك يا دولة الرئيس. أنا إذا
استشهدت لن يخرب البلد وسأحمل صفة الشهادة وهذا أقل ما أقدمه في سبيل وطني وحرية
شعبي".
توقف
الرئيس بري ملياً عند هذه الكلمات ورد عليه "لماذا تخاطبني بهذه الطريقة؟ أتمنى لك
طول العمر والعطاء".
ويضيف: "عندما تبلغت استشهاد جبران قبل عامين قفزت وصيته إلى تفكيري وشعرت بعمق
المسؤولية".
"ويتابع صراحة لا أنسى هذا الشاب الذي أحترمه على جرأته وليس غريباً أن يكون على
هذا المنوال والنمط فهو سليل أستاذنا الكبير غسان تويني، هذه الأيقونة التي نتبارك
منها".