نظمت الأمانة العامة لمجلس النواب بالإشتراك مع كل من المعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية، ندوة عن التشريعات والتدريب البرلماني بعنوان: "الصياغة التشريعية والرقابة المالية لديوان المحاسبة"، وذلك يوم الخميس الواقع في 10 شباط 2022 عند الساعة العاشرة صباحاً في قاعة مكتبة مجلس النواب.


حضر الندوة:
- أمين عام مجلس النواب عدنان ضاهر.
- أمين عام الإتحاد البرلماني العربي فايز الشوابكة.
- رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة سابقاً القاضي الدكتور غالب غانم. - - القاضي في ديوان المحاسبة عبد الرضى ناصر.
- عدد من القضاة والمختصين.

بداية تحدث أمين عام الإتحاد البرلماني العربي فايز الشوابكة، فقال:

"يسعدني ويشرفني ان أكون بينكم اليوم، في هذه الندوة المهمة التي تعقد في رحاب مجلس النواب اللبناني، الذي استمر بتحمل مسؤولياته الوطنية والتشريعية والبرلمانية بكل اقتدار على رغم  الظروف القاسية والصعبة التي يمر بها لبنان الشقيق، وبات من الضرورة العمل على تعزيز دور المجالس والبرلمانات الوطنية، لممارسة مهماتها التشريعية والرقابية، وفقا للأطر الدستورية والقانونية.

إنطلاقاً من إيماننا جميعاً بأن قوة الدولة تتجسد في قوة برلمانها واستقلاله ومهارته في إدارة العمل البرلماني وتمثيل الشعب بكل أمانة واقتدار. وجميعنا نعلم ان البرلمانات الفاعلة القوية تمثل أصوات الشعوب، وتقر القوانين والتشريعات الناظمة للمجتمع، فضلاً عن محاسبة الحكومات، والتأكد من أن سياسات هذه الحكومات تعود بالنفع على جميع الناس، خصوصاً الأكثر فقراً والأشد ضعفاً منهم. فإذا كان التشريع هو الهيكل القانوني لأي دولة، فان الصياغة التشريعية تشكل العمود الفقري لهذا الهيكل. لذلك، ولتحقيق ما نصبو اليه في مجال العمل البرلماني وترسيخ المبادئ الديموقراطية التي تنادي بها شعوب الأرض قاطبة، فإن زيادة النشاطات المستقبلية للمعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية، باتت ضرورة ملحة لتطوير أدوات العمل وتلبية متطلبات الحياة المتجددة، ولا سيما في مجال التشريع والرقابة البرلمانية وتطوير السياسات العامة للبلاد، بهدف النهوض بالواقع المعاش، عبر إقرار تشريعات تستند الى دراسات شاملة، تأخذ في الحسبان تأثير هذه التشريعات على الشعب والمجتمع ككل، خصوصاً فئة الشباب، التي تشكل عماد المجتمع وطاقته المتدفقة لا بل المتجددة في المجتمعات المتقدمة. وهنا لا بد من الإشارة بوضوح الى أن وجود مثل هذا المعهد يوفر سبل التدريب البرلماني بما يتيح تمكين الكوادر البشرية المناسبة والقادرة على مواكبة التغيرات، والتكيف مع التقنيات الجديدة، وإنجاز المهمات المنوطة بها على الوجه الذي يضمن الإسهام في بناء النظام القانوني في الدولة بصورته التي يجب ان يكون عليها.
 
في هذا السياق، أود التأكيد على أن صياغة التشريع بطريقة محكمة تنطوي على أهمية كبيرة في تحسين النظام القانوني للدولة، وتنقيته من الشوائب، وتخليصه من حال عدم الإستقرار، بحيث اصبحت الصياغة التشريعية في ذاتها علماً يجب ان يكون كل من يعمل في هذا المجال من برلمانيين وإداريين عاملين في الإدارات البرلمانية على علم كامل به. اما في ما يتعلق بالمالية العامة التي تشكل الجسد، فإن الرقابة البرلمانية عليها تشكل الروح التي تسكن هذا الجسد، فإن خلا الجسد من الروح، فإن قيمة هذا الجسد فقدت وأصبح ميتاً. وإكرام الميت دفنه في كل الشرائع السماوية.
 
ان الرقابة المالية التي أناطتها جل الدساتير بالبرلمانات، تعد ركيزة أساسية من ركائز العمل البرلماني، وبما يضمن رقابة مالية محكمة يؤمن بها ايماناً قاطعاً كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في كل بلد، من دون ذلك ستهدر الأموال ويرتفع خط الفقر والبطالة، مما يؤدي الى انعدام الأمن الإجتماعي الذي هو الركيزة الأساسية في أمن الدول، فان استخدام وسائل متطورة لتمكين البرلمانات من فرض رقابتها المالية، ضرورة قصوى.
 
إن كل ما ذكرته سابقاً، لا ولن يتحقق الا بالإيمان القاطع بهذه المعايير، الإيمان المتأتي من الضمير البشري، وإنسانية الإنسان.
ولا يسعني في هذا المقام الا ان أتقدم من إدارة المعهد الجديدة الممثلة بالأخ العزيز الأستاذ عدنان ضاهر، وكذلك من القامة الوطنية العالية رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم والذي أتمنى له الشفاء العاجل، والقاضي في ديوان المحاسبة عبد الرضى ناصر. واتوجه بعميق الشكر والإمتنان الى مؤسسة وستمنستر للديموقراطية، وما تبذله من جهود حثيثة وملموسة، لإرساء اسس الديموقراطية الحقيقية ومفاهيمها، التي تخدم شعوب العالم في جميع اصقاع الأرض، ناهيك بدعمها المتواصل لهذه النشاطات البرلمانية. ومن هذا المنبر اؤكد الحاجة الملحة الى تكثيف هذه الندوات الحوارية لما لها من أثر عام في صوغ تشريعات جديدة وبناءة منسجمة مع احكام الدستور في اي بلد.
 
أود ان أغتنم فرصة إجتماعنا اليوم في هذا البلد العريق بتقاليده وثقافته، لأعرب لكم عن دعم الإتحاد البرلماني العربي لأي نشاطات مستقبلية للمعهد، فضلاً عن إشراك ممثلين لكل المجالس والبرلمانات العربية في النشاطات المستقبلية، التي نأمل ان تكون ثمارها وفيرة وتخدم اهدافنا العربية الإستراتيجية والمحورية، إضافة الى إسهامها في صوغ وإقرار لمشاريع قوانين وطنية تحقق المنفعة الوطنية، وتنسجم مع المعاهدات والإتفاقات الدولية، الأمر الذي يسهم في تحصين شعوبنا وبلداننا، ويدفعها بقوة في اتجاه مزيد من التنمية والتقدم والرخاء.
 
أشكركم لحسن الإستماع والإصغاء، وأتمنى النجاح والتوفيق لكم ولنا في مساعينا التي نعتقد انها نبيلة، وتحقيق الفائدة القصوى من هذه الندوة عبر الإطلاع على التجارب البرلمانية الناجحة في مختلف الدول العربية والأجنبية، إضافة الى نشر التوعية والتثقيف على أهمية العمل البرلماني على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
 
ثم ثحدث أمين عام مجلس النواب عدنان ضاهر فقال:

من دواعي سروري واعتزازي ان أرحب بكم في رحاب مجلس النواب، صرح التشريع والرقابة وتطوير الحياة التشريعية والسياسية والبرلمانية، نرحب بكم اليوم وبتوجيهات دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري لوصل ما انقطع من ندوات ينظمها المعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية، وعنوان هذه الندوة: "الصياغة التشريعية والرقابة المالية لديوان المحاسبة".
 
إن ممارسة السلطة التشريعية لعملها يشكل فناً صعباً لأنه يصطدم بطبيعته بارادة السلطة التنفيذية، وتشكل نوعية النصوص التي يضعها البرلمانيون، سواء أكانت إقتراحات قوانين ام تعديلات، عنصراً اساسياً من عناصر الديموقراطية التمثيلية، اذ تتوقف عليها نتيجة الحوار بين المشرع والحكومة وإدارتها، هذا الحوار الذي يفضي الى التصويت على قوانين جيدة، وهذا القانون الجيد سيحدثكم عنه وعن جودته وصوغه الرئيس الأول الدكتور غالب غانم المتقدم في صناعة الكلمة، من أربابها المجلين، إمام حوله جمع المصلين، هذا لأقول: ان الكلام الجميل كما العمل الصالح، وكل إبداع او إتقان، عبادة.
 
وتوجه الى القاضي غانم: أتأذن لي بأن اقري السلام لصاحب مدرسة الصياغة القانونية صديقكم الدكتور محمود صبراً؟


للكلمة في قلبك رنين الشمس في الليل المهجور ولو لم تأخذك السلطة القضائية الى أعلى قممها لأخذك سحر البيان الى أعلى قممه، وفي الحالين يبقى الوطن اغنيتك الوحيدة.
 
اني اعرف انك صاحب قلم هدال وهاج صداح بداح، الا ترى معي ان افضل القوانين تسقط عندما لا تنفذ؟ والأسوأ أنها تصبح خطيرة عندما تنفذ على نحو مغلوط على ما قال شاتوبريان.
 
73 قانوناً لم تنفذ ودون أي عيب في الصوغ، وإنما لعطل في السياسة لم توضع نصوص تطبيقية لها، ومن يشتكي من الآخر البرلمان ام الحكومة، البرلمان هو المشتكي ولمن الشكوى؟
فالقانون هو سلاح وحدة الأمة في سبيل رقيها وتطورها، ولا يجوز لهذا السلاح الا ان يكون متساوياً ومتطوراً. فالقانون ليس شرعة أزلية، بل ان إرادة تطويره هي الشرعة الأزلية. وعليه، فإن على المشترع ان يضع نصب عينه الأولى القانون، ونصب الثانية تحديثه، اذ القوانين التي لا تعدل هي أشد جوراً من إرادات التسلط.
 
أما الدور الثاني للنائب بعد التشريع فهو كونه مراقباً وناشطاً في تتبع أعمال الحكومة. واذا كان عمل الدولة لا يتم حكم الا عبر القانون فإن مواكبة التشريع ليكون مطابقاً للتنفيذ، هو من اجل الأعمال. ذلك انه لا تشريع من دون تنفيذ كما أنه لا تنفيذ من دون تشريع. وهذه الحلقة لا بد من تمامها في كل عمل حكومي، وفي كل مسرى او مسعى يهدف الى الخير العام. فالنائب هو حلقة الوصل التي لا بد منها للجمع بين ما هو اشتراع وما هو عمل. ولقد اثبتت المجتمعات عبر تاريخها القديم والحديث، ان المحرك الديناميكي لها في طريق التقدم والرفاهية، كان هذا الكمال والتكامل، بين ما هو قانون وما هو عمل من أجل تطبيقه.
 
لا بد من الإصلاح، وليس من يوم سابق لإصلاح الدولة، ولا من يوم لإصلاح الدولة، ولا يوجد يوم تال لإصلاح الدولة، فإصلاح الدولة عملية يجب ان تكون متواصلة.
 
سألت الناس: اين غدا القانون؟
فرد الناس: اين غدا القانون؟
 
قوانين معطلة وما يجدي اذا كثر الكلام!
فراغ في كلام كل يوم، وقانون له نفع وليس له احترام.
وما نفع السفينة عظم سار اذا غاب الربابنة العظام؟
عفواً سادتي، بعض البوح ضقت به   فسال من فمي حران يستعر
خنقت بالدمعة الحرساء اكثره   واقتل الدمع ما لا يلمح البصر
 
ليست هذه السطور من فصول الحماسة عند العرب، بل هي اعتراف الى مقام مصدر السلطات، وإقرار بفشل السلطة التنفيذية وسوء الإدارة في تطبيق القانون.
 
كل ذلك ولم نعرج بعد على الرقابة المالية، وأعني رقابة ديوان المحاسبة، الذي سيحدثنا عنها سعادة القاضي عبد الرضى ناصر رئيس غرفة في الديوان والحديث عنه، في النفس شغف، للقلم شوق وترف، الإستماع اليه وصلات تطريب وترائيات تجديد. طليع رعيل وطني أصيل، سموا بالنفس، والى السدرات إرتقاء. مثال مضيء للقاضي الصالح في الجمهورية الفاضلة، وفي اي حلية التمسته لتجدنه موازنا ذاته المترعة قيماً ومثلاً علياً ومواهب مستأهلاً موقعه.
 
إسمحوا لي ان أتقدم بالشكر والإمتنان الى الأمين العام للإتحاد البرلماني العربي الأستاذ فايز الشوابكة لمساندته باستمرار عمل المعهد، والشكر موصول لمؤسسة وستمنستر لمساعدتها في أعمال هذه الندوة.



لم يبق عندي ما أقول  لم يبق عندي ما أقول
تعب الكلام من الكلام    ولم أقل الكلام الأخير
ولا تزال في حلقي ألف مبكية  من رهبة البوح تستحي وتضطرب.
ايها السادة، أطلت عليكم، وتفضل انصفنا يا حضرة القاضي.


وتخلل الندوة عرض لأصول الصياغة التشريعية قدمه القاضي الدكتور غالب غانم (رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة سابقاً). كما استعرضت الندوة آليات، مبادىء وأدوات الرقابة المالية قدمها القاضي في ديوان المحاسبة عبد الرضى ناصر.