14- حقوق المرأة
يؤكد إعلان بكين (لعام 1995) على أن تقدّم المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل يقعان في صلب حقوق الإنسان و يشكلان شرطاً أساسياً للعدالة الإجتماعية، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لبناء مجتمع مستدام وعادل ونامٍ .
I- الواقع القانوني
أولاً: التشريعات الدولية
تعتبر إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1979، الإطار القانوني الجامع الذي يتيح تطبيق المساواة بين الجنسين في مستويات الحياة كافة، وهي أتت لتتوج الكثير من الإعلانات والإتفاقات المتخصصة. ومن مكامن القوة في اتفاقية "سيداو" أنها تحدد بشكل واضح مبدأ حقوق الإنسان القاضي بعدم التمييز وتلزم الدول بتطبيقه وإدانة كل أنواع التمييز التي تتعرض لها المرأة.
وقد أبرم لبنان هذه الوثيقة بموجب القانون رقم 572 الصادر بتاريخ 24/7/1996، أي بعد 17 عاماً على دخولها حيز التنفيذ. وحال إبرام هذه الإتفاقية، أبدى لبنان تحفظات صريحة على بعض بنودها. هذه التحفظات أفرغت الإتفاقية من مضمونها وأفقدتها روحها بالذات أي "المساواة"، وكرست صفة القدسية على قوانين الأحوال الشخصية الخاضعة لقوانين الطوائف المتعددة في لبنان والتي تشكّل تمييزاً ضد المرأة.
وكان لبنان قد انضم الى اتفاقيات أخرى ذات صلة مباشرة بالموضوع، أهمها:
- إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 45 المتعلقة باستخدام النساء في العمل تحت سطح الأرض، لسنة 1935.
- إتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق المرأة السياسية، لسنة 1955.
- الإتفاقية المتعلقة بعدم التمييز في مجال التعليم الصادرة عن الأونيسكو، لسنة 1964.
- إتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن سياسة العمالة، لسنة 1964.
علماً بأن لبنان لم يبرم حتى تاريخه عدداً من الإتفاقيات الدولية، والسبب يعود الى تحفظه إزاء المسائل المتعلقة بالجنسية وبالأحوال الشخصية.
ثانياً: التشريعات الداخلية
إن الدستور اللبناني لا يتضمن أي نص تمييزي بحق المرأة، بل يكرس مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز. إلا أن ما نص عليه الدستور اللبناني غير كافٍ لضمان الحقوق الإنسانية للمرأة. فكان من المستحسن أن يضم الدستور عبارة صريحة وواضحة تكفل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة على غرار العديد من الدساتير في العالم.
من الناحية التشريعية، اتّخذ لبنان خطوات عدّة، منها: إصدار بعض القوانين والمراسيم والقرارات، التي تتضمّن تعزيز مكانة المرأة في ما يتعلّق بـ: الحقوق السياسية (سنة 1953)، المساواة في الإرث (سنة 1959)، الحق في خيار الجنسية (سنة 1960)، حرية التنقل (سنة 1974)، إلغاء الأحكام المعاقبة لمنع الحمل (سنة 1982)، توحيد سن نهاية الخدمة للرجال والنساء في قانون الضمان الإجتماعي (سنة 1987)، الإعتراف بأهلية المرأة للشهادة في السجل العقاري (سنة 1993)، الإعتراف بأهلية المرأة المتزوجة لممارسة التجارة دون إذن زوجها (سنة 1994)، حق الموظفة في السلك الدبلوماسي التي تتزوج من أجنبي بمتابعة مهمّاتها (عام 1994)، أهلية المرأة المتزوجة في ما يتعلق بعقود التأمين على الحياة (سنة 1995)...
وبعد سنوات عديدة من النضال والجهود التي بذلتها ناشطات ونشطاء المجتمع المدني في مجال حقوق المرأة في لبنان، ألغى وسنّ البرلمان اللبناني قوانين بهدف تعديل أحكام التمييز ضد المرأة:
1. في 4/8/2011، ألغى مجلس النواب المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني. وبمقتضى هذا الإلغاء، لم يعد قاتل "زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته " يستفيد من العذر المخفّف في حال "فاجأ " أيّاً من هؤلاء " في جرم الزنى المشهود، أو في حالة الجماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد". وهي كانت إحدى أهم المواد التي دأبت الحركة النسائية على النضال من أجل إلغائها لأنها، بحسب وصفها لها، "مادة قاتلة"؛ وذلك للدلالة على كونها مسوّغة لقتل النساء بفعل استفادة المتهم من العذر المحلّ (في صيغة المادة قبل تعديلها في العام 1998)، أو من العذر المخفّف (في الصيغة المعمول بها منذ العام 1999).
2. تعديل القانون رقم 179، بتاريخ 29/8/2011، والمادة 9 من المرسوم بقانون رقم 146/1959 (المتعلقة بالميراث وجميع الحقوق والممتلكات منقولة أو غير منقولة). القانون رقم 179/2011 يهدف إلى ترسيخ مبدأ المساواة بين المرأة والرجل كورثة للاستفادة من تخفيضات إضافية عند حساب الرسوم المستحقة عليهم بالميراث.
3. تعديل القانون رقم 180، بتاريخ 29/8/2011، والمادة 31 من المرسوم بقانون رقم 144/1959 (المتعلقة بقانون بشأن ضريبة الدخل). القانون رقم 180/2011 يهدف إلى ترسيخ مبدأ المساواة بين المرأة والرجل عن طريق السماح للمرأة العاملة اللبنانية للإستفادة من تخفيض الضرائب على الزوج والأطفال في ظل الظروف أسوةً الرجال الذين يعملون.
II- الوضع الراهن في لبنان
أولاً: الصعوبات والتحديات
رغم الجهود المبذولة رسمياً في مجال تحقيق المساواة بين المرأة والرجل على صعدة عدّة، لا يمكن القول أنّه تمّ وضع خطة وطنية لتحويل الأهداف المتوخّاة، إلى برامج تنفيذية تتشارك فيها كلّ من الدولة والمجتمع المدني. وإذا كان تعزيز مكانة المرأة لا يُثير معارضة مبدئية - على المستوى النظري البحت - لدى فئات المجتمع اللبناني وطوائفه، إلا أنّ الواقع العملي يُظهر أنّ المرأة - ورغم انخراطها أكثر فأكثر في مجالات التعليم والإنتاج- لا تزال تعاني انتقاص مكانتها ودورها في المجتمع، وذلك في كلّ من مرحلة الطفولة والمراهقة والرشد؛ ويمكن تلخيص الصعوبات والتحديات التي تتبدّى في هذا المجال بالتالي: استمرار التمييز ضدّ المرأة في نظام القيم الثقافية والتربوية والسلوكيات الإجتماعية، وعلى المستوى الإعلامي، استمرار الارتهان لمجموعة من الأعراف والتقاليد، تهميش المرأة في سلطة اتّخاذ القرار و لاسيّما القرار السياسي، وجود استقرار تشريعي "بالمعنى السلبي"، وذلك لسببين، أولهما متمثّل بالتحفظات الصريحة التي أبداها لبنان لدى انضمامه إلى اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، بما يعطّل أهداف تلك الوثيقة وروحيّتها، وثانيهما متمثّل بواقع النظام الطائفي اللبناني القائم على التعدّدية ومدى تأثيره على البنية التشريعية الداخلية، لاسيّما لجهة استحالة استصدار تشريعات مدنية موحدة في مجال الأحوال الشخصية، إلخ.
ثانياً: الممارسات الرسمية
يحتل مؤتمر بكين مكانة خاصة في تاريخ الحركة النسائية. واستطاع لبنان، كمجتمع مدني وكدولة، أن يتفاعل مع هذا المؤتمر، عبر تأليف اللجنة الوطنية للتحضير والمشاركة في مؤتمر بكين، تأليف اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة بعد بكين، إعلان شراكة اللجنتين المذكورتين مع اللجنة الإقليمية للمرأة، وما نجم عن تلك الشراكة من إصدار أول استراتيجية وطنية للمرأة اللبنانية، إصدار تقارير دورية من قبل منظمات حكومية ومنظمات غير حكومية... وقد وافق لبنان على إعلان بكين الذي يدعو الدولة لإتخاذ المبادرات وتنفيذ اجراءات محددة من أجل إلغاء التمييز القائم بحق النساء وتعديل مكانتهن في المجتمع.
بدأ الموقف الرسمي اللبناني بالتحوّل في السنوات الأخيرة من اللامبالاة الى الإعتراف الخجول بقضايا المرأة. يتجلى هذا التحوّل في بعض الخطوات التي اتخذتها الجهات الرسمية. من أهمها ما جاء في البيانات الوزارية، حيث لأول مرة عام 2005 تمّ ادراج فقرة خاصة عن قضايا المرأة وتعهدت الحكومة عندها في هذا البيان على: "...التركيز على قضايا المرأة كشريك اساسي وفاعل في الحياة العامة عبر استحضار المناخ القانوني المؤاتي لتعزيز دورها في مختلف القطاعات وستؤسس (الحكومة) لدمج مفهوم الجندر في كل السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية بما يتلاءم والمفاهيم العالمية الجديدة على هذا الصعيد. كما ستضع الحكومة موضع التنفيذ كل التعهدات التي التزمها لبنان بموجب التوصيات الصادرة في المؤتمر العالمي في بكين عام 1995 حول قضايا المرأة".
من ناحية ثانية، اتخذت الدولة بعض التدابير الإجرائية الايجابية لصالح المرأة كإدماج نظام الصحة الإنجابية ضمن نظام الصحة الدولية. كذلك بدأت بعض الجهات الرسمية بتناول بعض القضايا الملحة كقضية العنف ضد المرأة.
من ناحية أخرى، تمّ تأسيس هيئتين رسميتين ذات الصلة. الأولى، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية (تأسيس بقرار وزاري 1996). اوكلت الهيئة (المتصلة مباشرة برئاسة الحكومة) رسمياً مهمة النهوض بالمرأة ووضع استراتيجية وطنية واعداد خطط عمل واقامة مشاريع ونشاطات وابحاث حول قضايا المرأة، والثانية تكمن في تأسيس لجنة برلمانية للمرأة والطفل عام 2001.
III- التوصيات
1. إصدار المراسيم المطلوبة لوضع المواد الموافق عليها من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتشكيل لجنة برلمانية - وزارية بالتعاون مع القطاعين والخاص من اجل رفع تحفظات لبنان على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
2. التصديق على البروتوكول الإختياري لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1999).
3. تحديد التشريعات التي تتضمن تمييزاً ضد المرأة (من قبل: لجنة حقوق الإنسان البرلمانية بالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المراة اللبنانية، المجلس النسائي اللبناني، نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس) وإنجاز التعديلات المطلوبة عليها (لجنة من الهيئات أعلاه إضافة الى ممثل عن لجنة الإدارة والعدل).
4. تضمين الدستور والتشريعات ذات الصلة أحكاماً تكفل تحقيق المساواة بين الجنسين تماشياً مع المادة 2 من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
5. إعتماد مشروع القانون المقدم الى البرلمان بشأن المساواة الكاملة بين النساء والرجال في مجال التأمين الإجتماعي وقانون الضرائب، ومشروع القانون المتعلق برفع القيود المفروضة على الأصول المالية للزوجات اللواتي يُشهر إف?س أزواجهن[1].
6. إقرار القانون الخاص بمكافحة العنف ضد المرأة وتعاقب الفاعلين وخاصة استحداث قانون يحمي المرأة من العنف الأسري وقانون يمنع الإتجار بالأشخاص.
7. إصدار قانون موحد إختياري للأحوال الشخصية يتماشى مع إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
8. تعديل قانون الجنسية في ما يتعلق بالنساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب وأطفال أولئك النساء.
9. وضع سياسة شاملة على الصعيد الوطني وفقاً لأحكام إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بغية تحقيق المساواة بين الجنسين ومكافحـة العنف ضد المرأة، في إطار القانون وفي الممارسة العملية[2].
10. مواصلة منح اللجنة الوطنية لشؤون المرأة سلطة وضع الـسياسات الوطنية واتخاذ القرارات[3].
11. قيام اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع الأمم المتحدة والقطاعين الخاص والعام، بتنفيذ برامج ودورات دراسية، للبرلمانيين والمسؤولين الحكوميين والمدرسين والقانونيين، للتوعية بأحكام إتفاقية القضاء على جميع أشكالالتمييز ضد المرأة وتمكين المرأة وبناء قدراتها الذاتية.
12. اتخاذ تدابير خاصة (التمييز الإيجابي)، مثل تدبير الكوتا، للتسريع في تحقيق المساواة وخاصة لجهة مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي وفي الشأن العام.
13. وضع وتنفيذ برامج شاملة من أجل التشجيع على بناء ثقافة على المساواة بين الجنسين ودعم المساواة.
14. إيلاء إهتمام جاد للإحتياجات الخاصة للمرأة في فترة ما بعد الحرب وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 لسنة 2000 بشأن "المرأة والسلام".