5- التعذيب والمعاملة اللاإنسانية
يُعد التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والحاطة بالكرامة من أشد إنتهاكات حقوق الإنسان ضراوة، حيث يمارس عادة ضد أناس معتقلين، أو سجناء يقعون تحت قبضة السلطة تماما،ً عاجزين حيال رجال أمن أو شرطة أو يسيطرون عليهم تماماً في المعتقلات والسجون بكل ما لديهم من قوة وسلاح وحواجز تحول دون إفلات الضحايا، سواء كان ذلك بغرض العقاب أو من أجل التشفي والإنتقام، أو لحملهم على الإعتراف بمعلومات عن مخالفات أو جرائم إرتكبوها هم، أم إرتكبها غيرهم، أياً كانت العلاقة بينهم. من هذا المنطلق، إهتم المجتمع الدولي بإتخاذ جميع السبل لمنع تلك الأساليب حفاظاً على صحة المحتجزين الجسدية والنفسية والعقلية.
I- الوضع القانوني
أولاً: التشريعات الدولية
اعتبر المجتمع الدولي أنّ التعذيب يشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية. فصدرت إتفاقيات وإعلانات وتوصيات وبروتوكولات دولية عدّة تحظّر التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة. نذكر في هذا المجال:
- إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وقد انضم إليها لبنان في العام 2000، وقد نصت المادة 17 من الإتفاقية على إنشاء "لجنة لمناهضة التعذيب" لضمان مراقبة تنفيذ الدولة لإلتزاماتها، كما نصت المادة 20 على أنه في حالة تلقى اللجنة معلومات موثوق بها تتضمن دلائل قوية على أن تعذيباً على نحو منظم يمارس في أراضي دولة طرف في الإتفاقية، تقوم اللجنة المكونة بموجب الإتفاقية بتوجيه الدولة المعنية إلى التعاون في فحص هذه المعلومات، وتقديم ملاحظات بصددها.
كما تجيز المادة 21 من الإتفاقية لأي دولة تعترف بإختصاص اللجنة المنصوص عليها في المادة 17 في أن تستلم بلاغات تدعي أن دولة أخرى لا تفي بإلتزاماتها بموجب الإتفاقية، وأن تنظر في تلك البلاغات، شرط أن تكون الدولة الطرف قد قبلت بذات الصلاحيات حيالها هى نفسها.
- البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الذي يرمي إلى إنشاء آلية للزيارات المنتظمة تقوم بها هيئات دولية ووطنية مستقلة إلى أماكن الإعتقال من أجل منع التعذيب.
- المؤتمر الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي انعقد في جنيف عام 1955 الذي أوصى باعتماد القواعد النموذجية الدنيا لمتابعة السجناء وحظّر العقوبات الجسدية القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
- القرار 43/173 تاريخ 9/12/1988 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإحتجاز أو السجن.
كما تبنّى المجتمع الدولي عدداً من الوثائق التي تحرّم اللجوء إلى التعذيب سواء في السجون أم أماكن التوقيف؛ ومنها مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين، و لاسيّما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره...
ثانياً: التشريعات الداخلية
يعاقب قانون العقوبات اللبناني كافة الأفعال التي تعتبر "انتزاعاً للإقرار والمعلومات" عبر ضروب من الشدة لا يجيزها القانون (المادة 401 من قانون العقوبات) وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كالإيذاء (المواد 554 إلى 557 من قانون العقوبات) والتهديد (المواد 573 إلى 578 من قانون العقوبات) واستيفاء الحق بالذات (المادتان 429 و430 من قانون العقوبات).
كذلك وضع قانون أصول المحاكمات الجزائية ضوابطاً تحول دون ارتكاب أفعال التعذيب خلال التحقيقات الأولية التي تجريها الضابطة العدلية واعتبر باطلاً استجواب الشهود أو المشتبه بهم في حال إكراههم على الكلام أثناء استجوابهم.
II- الوضع الراهن في لبنان
أولاً: الصعوبات والتحديات
رغم أن قانون العقوبات يتضمن موادا تحدد بعض جرائم التعذيب ، إلا أنه لا يزال قاصراً عن تغطية جميع هذه الجرائم كما وردت في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب .وثمة مساع تبذلها وزارة العدل لمراجعة قانون العقوبات وتعديله بشكل يتلاءم مع الإتفاقية، بهدف تضمينه تعريفًا لجريمة التعذيب، وتحديد الإجراءات العقابية بوجه مرتكبيها.
ثانياً: الممارسات الرسمية
جددت الدولة اللبنانية إلتزامها بها بشكل صريح مضمون المادة 17 من البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب ووافقت على إنشاء آلية وطنية وقائية لمنع التعذيب وذلك في الإستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في تشرين الثاني 2010، كما تلقّت في شهر تموز 2011 تقارير من لجنة مناهضة التعذيب المنشأة بموجب المادة 17 من إتفاقية مناهضة التعذيب وإستناداً الى المواد 20 و21 منها.
أضف الى ذلك أن مؤسسة قوى الأمن الداخلي أنشأت قسم حقوق الإنسان سنة 2008، كما قامت بإنشاء لجنة لمتابعة حالات التعذيب والمعاملة القاسية في جميع مراكز قوى الأمن الداخلي واستلهمت جزء أساسي من صلاحياتها من البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب. كما، أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العديد من المذكرات التي تشدد على عدم الإساءة للسجناء والموقوفين أثناء التحقيقات، لاسيما الأحداث منهم ، تحت طائلة الملاحقة القا نونية أو اتخاذ التدابير المسلكية بحق المخالفين لهذه المذكرات. كما تم إدخال مادة حقوق الإنسان في مناهج التعليم والتدريب عند قوى الأمن لتعزيز وعي العناصر وفهمهم للقوانين والإتفاقيات ذات الصلة، كما شاركت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعدة ورشات عمل حول حقوق الإنسان وقامت بوضع لوائح تعرف الموقوفين في عدد كبير من النظارات وأقسام الشرطة بحقوقهم.
كذلك صدرت قرارات عدَّة عن محاكم لبنانية أدانت فيها التحقيقات الأولية ولم تأخذ بالإعترافات التي تمت تحت العنف. هذا، وكان القضاء اللبناني قد أصدر قرارات قضت بعدم ترحيل طالبي لجوء كانوا قد دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية، خشية تعرضهم للتعذيب في بلد المصدر، تطبيقًا للنصوص الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب.
III- التوصيات
1. تعديل المادة 401 من قانون العقوبات والتشدد في معاقبة جريمة التعذيب
[1] عبر توسيع مفهوم الأفعال المادية المكونة لهذه الجريمة لمواءمة تعريف التعذيب مع إتفاقية مناهضة التعذيب وجعلها جناية، على أن يستبدل النص الحالي للمادة بالنص التالي:
"يعاقب بالإعتقال المؤقت من أقدم عمداً على تعذيب شخص لأي سبب كان لاسيّما بهدف الحصول منه على إقرار أو معلومات أو لمعاملته على ارتكبه أو يُشتبه أنه ارتكبه.
لا يجوز أن تقل العقوبة عن الإعتقال لمدة خمس سنوات إذا ارتُكبت الجريمة المنصوص عليها أعلاه من قبل موظف عام خلال ممارسته لوظيفته أو في معرض ممارسته لها.
كما يُعاقَب بالعقوبات المذكورة في الفقرات السابقة كل من حرّض أو وافق على ارتكاب أي من هذه الجرائم أو علم بها وامتنع عن الإبلاغ عنها."
2. إنشاء آلية وطنية لمنع التعذيب، وهو ما التزم به لبنان بتوقيعه على البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب في عام 2008[2].
3. تقديم التقرير الأولي إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم الذي كان يفترض تقديمه عام 2001[3]، والإلتزام بتنفيذ ملاحظاتها وتوصياتها.
4. تنفيذ التوصية الصادرة عن لجنة الإدارة والعدل لجهة اختيار أفراد الضابطة العدلية من ذوي المؤهلات العلمية وإخضاعهم لدورات متخصصة توضح واجباتهم خلال الإجراءات الجزائية.
5. إخضاع الأشخاص الذين يتولون التحقيقات الأولية لدورات متخصصة حول واجباتهم خلال الإجراءات الجزائية.
6. تزويد الضابطة العدلية بالوسائل العلمية لكشف الجرائم والتي من شأنها كشف الحقيقة دون الحاجة إلى الإستحصال على اعتراف من المتهم.
7. إبراز أهمية تعيين طبيب للكشف على الأشخاص المحرومين من حرياتهم خلال إجراءات التحقيق.
8. إغلاق جميع أماكن الإعتقال والإحتجاز السرية أو غير المرخصة.
9. القيام بتوعية إعلامية لتعريف المواطنين بحقوقهم خلال الإجراءات الجزائية لاسيّما الحق بالتزام الصمت.
10. منع تسليم أشخاص إلى دول قد تمارس التعذيب تجاههم تبعاً للمادة 3 من إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
11. إعطاء الإختصاص للّجنة الوطنية لحقوق الإنسان المقترحة لزيارة أماكن الإحتجاز أو السجون مع صلاحية تلقي الشكاوى حول حالات تعذيب.